Bez tytułu

الكرملين والتاريخ كسلاح: كيف تربط الدعاية الروسية في العالم العربي النازية بأمريكا

 

الكرملين والتاريخ كسلاح: كيف تربط الدعاية الروسية في العالم العربي النازية بأمريكا

 

خلال الأشهر الأخيرة، ظهرت في الفضاء الإعلامي العربي حملة مكثفة تقودها وسائل إعلام روسية ناطقة بالعربية – من بينها موقع sarabic.ae المرتبط بشبكة “سبوتنيك” – تحاول إقناع القارئ بأن جذور الفكر النازي لا تعود إلى ألمانيا، بل إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه السردية ليست مصادفة، بل جزء من استراتيجية أوسع يتبعها الكرملين منذ سنوات، تقوم على استخدام التاريخ أداةً للتأثير السياسي. الهدف في هذه الحالة مزدوج: تشويه صورة الولايات المتحدة، وتقديم روسيا على أنها القوة الوحيدة التي “هزمت الفاشية”.

كيف تُقدَّم هذه السردية؟
في سلسلة مقالات نُشرت بين أبريل ومايو 2025، تكررت عدة أفكار رئيسية:

  1. القوانين العنصرية – الزعم بأن قوانين نورمبرغ التي سنّها هتلر استُلهمت من قوانين الفصل العنصري الأمريكية (المعروفة بقوانين “جيم كرو”).
  2. التوسع الإقليمي – مقارنة فكرة المجال الحيوي (Lebensraum) في الفكر النازي بعقيدة “القدر المتجلي” (Manifest Destiny) في التاريخ الأمريكي، والتي بررت التوسع على حساب أراضي السكان الأصليين.
  3. اليوجينا (تحسين النسل) – الادعاء بأن الحركة الأمريكية لتحسين النسل كانت مصدر إلهام مباشر لسياسات ألمانيا النازية.
  4. الثقافة والقانون – الإيحاء بأن السينما الأمريكية والأدب والقوانين ساهمت في تشكيل الفكر النازي.

هذه النقاط تستند أحياناً إلى وقائع تاريخية جزئية، لكن تُعرض خارج سياقها الكامل. صحيح أن النازيين اطلعوا على بعض القوانين والنقاشات الأمريكية، لكن أيديولوجيتهم نشأت في بيئة سياسية وفكرية مختلفة، وتم تطبيقها بأسلوب عنيف وشامل لم يعرفه أي نظام ديمقراطي.

لماذا يتحدث الكرملين بهذه اللغة إلى العرب؟
روسيا تدرك أن ذاكرة الاستعمار والتمييز العنصري والهيمنة الغربية ما زالت حاضرة في وعي كثير من الشعوب العربية. ومن خلال ربط الولايات المتحدة بالنازية، تسعى موسكو إلى:

  • التشكيك في شرعية أمريكا الأخلاقية كمدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان،
  • تقديم نفسها كدولة “لم تستعمر” و”حاربت الفاشية”،
  • صرف الانتباه عن أفعالها الحالية، مثل حربها في أوكرانيا، باستخدام أسلوب “وأنتم أيضاً ارتكبتم جرائم” (whataboutism).

ما الذي يتم إخفاؤه؟
هذه السردية تتجاهل أن الولايات المتحدة كانت شريكاً أساسياً في هزيمة النازية، ولا تذكر حركة الحقوق المدنية التي أنهت الفصل العنصري هناك، وتتغاضى عن تحالف هتلر وستالين عام 1939 عندما غزت ألمانيا والاتحاد السوفييتي بولندا معاً.

لماذا الأمر مهم؟
مثل هذه الحملات لا تغيّر فقط فهم الناس للتاريخ، بل تشكل أيضاً طريقة رؤيتهم للسياسة اليوم. إذا اقتنع القارئ بأن الغرب لا يختلف عن الأنظمة الشمولية أو أنه أسوأ منها، يصبح من الأسهل عليه تقبل سياسات عدوانية تنفذها روسيا أو أنظمة سلطوية أخرى.

الخلاصة
التاريخ، في هذه السردية، ليس مجرد وقائع ماضية، بل سلاح في حرب المعلومات. ولهذا، يصبح الوعي النقدي بالمصادر، وفهم أساليب التضليل، والإلمام بالسياق التاريخي الكامل ضرورة لأي قارئ في العالم العربي. لأن إدراك متى تتحول القصة التاريخية إلى أداة سياسية هو الخطوة الأولى لمواجهة هذا النوع من الدعاية.