Bez tytułu

القبعات الزرقاء البولندية والمساعدات الإنسانية في لبنان


يُرتبط انخراط بولندا في أمن لبنان اليوم أساسًا بوجود الكتيبة العسكرية البولندية ضمن قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، وبالبرامج الإنسانية التي تنفذها المنظمات الإغاثية البولندية. غير أن العلاقات بين البلدين تعود إلى زمنٍ لم يكن فيه أيٌّ منهما دولةً مستقلة. ففي أوائل القرن العشرين، أصبح فلاديسواف تشايكوفسكي، المعروف باسم مظفر باشا، حاكمًا للبنان ضمن الدولة العثمانية، وشغل هذا المنصب من عام 1902 حتى وفاته عام 1907. وفي وقتٍ لاحق، خلال الحرب العالمية الثانية، مرّ الجيش البولندي بقيادة الجنرال فلاديسواف أندرس عبر لبنان بعد إجلائه من الاتحاد السوفيتي في طريقه إلى أوروبا لمحاربة ألمانيا النازية. وقد رافق الجيش عدد من اللاجئين القادمين من الاتحاد السوفيتي الذين وجدوا في لبنان ملاذًا خلال الحرب.

في عام 1992، التزمت بولندا بالمساهمة في حفظ أمن لبنان من خلال إرسال كتيبة عسكرية بولندية للمشاركة في بعثة اليونيفيل. وبلغت مساهمة بولندا ذروتها عام 2000، إذ بلغ عدد أفرادها 629 جنديًا وعسكريًا مدنيًا، ما جعلها من بين أبرز الدول المشاركة. في المرحلة الأولى، ركّز الجنود البولنديون على المهام اللوجستية والهندسية والطبية لدعم قوات الأمم المتحدة الأخرى. ولعبت الوحدة الطبية العسكرية البولندية (PolMedCoy) دورًا محوريًا، إذ أنشأت مستشفىً ميدانيًا في الناقورة. وفي عام 1994 أُضيفت كتيبة لوجستية ووحدات هندسية، تلاها عام 1996 فريقٌ مختص بالصيانة. وشملت مهامهم النقل، وتخزين الإمدادات، وصيانة المعدات وإصلاحها، إضافة إلى إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة.

تعرّض جنود القبعات الزرقاء البولنديون لإطلاق النار أكثر من مرة. وكانت اللحظات الأولى الصعبة في أبريل 1996 عندما شنّت إسرائيل هجومًا واسعًا على لبنان، إذ قصفت مرارًا مواقع تابعة لليونيفيل كان فيها مهندسون وأطباء ولوجستيون بولنديون. وقدّم الأطباء البولنديون المساعدة الطبية للمدنيين ولجنود الأمم المتحدة، بما في ذلك في محيط قاعدة جُويا التي شهدت اشتباكات عنيفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما تعرّض الجنود البولنديون لإطلاق النار أثناء تأمين طريقٍ للاجئين. وفي عام 2006، خلال حرب يوليو، تولّت الوحدات البولندية إجلاء السكان من المناطق الخطرة، ونقل الجرحى إلى المستشفيات، وتوزيع الغذاء والدواء على المتضررين، وكان عددهم آنذاك نحو 230 شخصًا.

بعد انقطاعٍ لعدة سنوات، عاد جنود القبعات الزرقاء البولنديون إلى لبنان عام 2019، ويبلغ عددهم حاليًا نحو 250 جنديًا. وهم يقومون بدورياتٍ على الخط الأزرق على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، لمراقبة وقف إطلاق النار والحفاظ على الأمن في منطقة الفصل. ومن أهم أهداف المهمة حماية المدنيين في مناطق العمليات. وفي إطار التعاون المدني-العسكري، يقدّمون المساعدة للسكان المحليين ويدعمون القوات المسلحة اللبنانية. وقد برزت أهمية مهمتهم مجددًا خلال الاجتياح الإسرائيلي في أكتوبر ونوفمبر 2024، عندما تعرّضت مواقع القبعات الزرقاء التي تحمي المدنيين للقصف الإسرائيلي. وخلال فترة الخدمة البولندية في لبنان، فقدت بولندا سبعة جنود هناك.

المساعدات الإنسانية في لبنان
جلبت الانتفاضات العربية (الربيع العربي) تحدياتٍ أمنية جديدة للبنان. فقد شكّل تدفّق أكثر من مليون لاجئ سوري عبئًا هائلًا على البلاد، وكانت المساعدات الدولية ضرورية. ولم تتخلَّ المنظمات البولندية مثل المركز البولندي للمساعدة الدولية (PCPM) والعمل الإنساني البولندي (PAH) وفروع كاريتاس بولونيا وعون الكنيسة المتألمة عن لبنان، بل شاركت في تقديم المساعدات واكتسبت سمعةً بأنها من أكثر المنظمات مهنيةً وفعاليةً وحيادًا. وقد نالت سياسة هذه المنظمات، القائمة على تقديم المساعدات بشكلٍ يعود بالنفع على كلٍّ من اللاجئين السوريين والمجتمعات اللبنانية المضيفة، تقديرًا واسعًا.

يعمل المركز البولندي للمساعدة الدولية (PCPM) في لبنان باستمرار منذ عام 2012، ويركّز نشاطه في منطقة عكار شمال البلاد. بدأ عمله عبر برنامج «النقد مقابل السكن» الذي يقوم بدفع إيجارات مساكن اللاجئين السوريين مباشرةً إلى أصحاب العقارات اللبنانيين. ولاحقًا بدأ بدعم ترميم المنازل المتضررة وبناء منازل جديدة لكلٍّ من السوريين والعائلات اللبنانية الفقيرة. ومن برامجه الأخرى «النقد مقابل العمل» الذي يوفّر فرص عملٍ مؤقتة لكلٍّ من اللاجئين والمواطنين اللبنانيين في أعمال البناء والصيانة الصغيرة داخل البلديات. وشارك لبنانيون وسوريون في هذه المشاريع المموّلة من PCPM بالعمل مع علماء آثار بولنديين في أبحاثٍ ميدانية، من بينها قلعة بيريه، مما خلق فوائد إنسانية وعلمية متبادلة.

كما يدير PCPM في بلدة بيريه عيادة ثابتة ومتنقلة منذ أكثر من عقد. وتقدّم العيادة خدمات طبية تشمل رعاية الأطفال والنساء، وتوفّر الأدوية التي يصعب الحصول عليها محليًا. وفي عام 2017، قال الشيخ محمد عوض مُرحب من بيريه في مقابلةٍ مع وكالة الأنباء البولندية:

«بعد عام 2012 تواصلنا مع منظماتٍ كثيرة من دولٍ مختلفة جاءت لمساعدة اللاجئين. أنفقت معظمها أموالًا طائلة دون نتائج حقيقية أو دائمة. كان الأمر مختلفًا تمامًا مع PCPM، فهي منظمة تعرف كيف تساعد. كنا نعرف بولندا من كتب التاريخ فقط، أنها بلد غزته ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، أما الآن فبولندا تُعرف هنا بالمساعدات الإنسانية، لأنكم تؤدّون هذا العمل أفضل من الألمان أو الفرنسيين أو البريطانيين».

أما العمل الإنساني البولندي (PAH)، فقد نشط لسنواتٍ عديدة في لبنان وركّز على مشاريع التنمية طويلة الأمد. فهو يدعم المجتمعات المحلية، وخاصة الشباب والنساء، في تحسين فرصهم في التعليم والعمل، ويُنفّذ مبادراتٍ تهدف إلى زيادة المهارات والاستقلالية في سوق العمل. كما ينفّذ أنشطةً لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال وأسرهم، خصوصًا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون.
وتشارك كاريتاس بولونيا أيضًا في تقديم المساعدات، ولا سيما في حالات الأزمات الطارئة التي لا تخلو منها البلاد.

الاستجابة للأزمات
من أبرز الأزمات التي واجهتها المنظمات البولندية انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، الذي وقع بعد أشهرٍ قليلة من الانهيار المالي الذي دمّر حياة كثيرٍ من العائلات اللبنانية. وكان من بين المناطق المتضررة حي برج حمود الأرمني في بيروت. وقال أحد ممثلي السلطات المحلية بعد سنوات:

«ظهرت منظمات كثيرة آنذاك، لكن لم يكن جميعها يقدّم المساعدة الحقيقية؛ فبعضها استفاد ماديًا من الكارثة. أما PCPM فكان الوضع مختلفًا تمامًا، فقد أظهرت احترافًا مطلقًا، ووصلت المساعدات إلى من يستحقها فعلًا».

كما دعم PCPM المستشفيات المحلية في بيروت بالمعدات الطبية ووسائل الحماية الشخصية، ووسّع برنامج «النقد مقابل العمل» ليشمل العاصمة اللبنانية. وشارك رجال الإطفاء البولنديون العاملون مع PCPM في جهود الإنقاذ في برج حمود.

كذلك انضمت العمل الإنساني البولندي (PAH) بسرعة إلى جهود الإغاثة، مطلقةً حملة تبرعات خصصت عائداتها لمساعدة المتضررين. وركّزت في المرحلة الأولى على تأمين الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والماء ومستلزمات النظافة، وفي المرحلة التالية على ترميم المباني المتضررة والمساعدة في إعادة الحياة المجتمعية. أما كاريتاس فقد نظّمت المساعدات على شكل طرود غذائية ومياه ومنتجات نظافة ودعم مالي للفئات الأكثر فقرًا، وأسهمت في توفير المأوى المؤقت والرعاية النفسية والاجتماعية، كما موّلت شراء الأدوية والمستلزمات الطبية للضحايا.

ومن الأزمات الأخرى التي شكّلت تحديًا للمنظمات البولندية في لبنان العدوان الإسرائيلي على لبنان في أكتوبر ونوفمبر 2024، حيث قدّمت منظمات PCPM وPAH وكاريتاس المساعدة للاجئين من جنوب لبنان بتوفير الإسعافات الأولية والمأوى والغذاء والمياه النظيفة ومستلزمات النظافة الشخصية. وخلال الأزمة، سقطت قنابل إسرائيلية عدّة مرات بالقرب من مواقع عمل الفرق البولندية، بما في ذلك في عكار حيث تعمل PCPM منذ عام 2012.

ولا تختزل مشاركة القبعات الزرقاء والمنظمات الإنسانية البولندية مجمل التعاون البولندي-اللبناني في مجال الأمن، إذ يتطور التعاون الخبروي في مجال الأمن المعلوماتي بوتيرة متزايدة. ويشمل دعم جهود المنظمات اللبنانية غير الحكومية لبناء مجتمعٍ مدني قوي، وتعزيز الديمقراطية والحوكمة الفعالة، وتجاوز الانقسامات الطائفية. إن مستقبل لبنان يعتمد على هذا المسار.