Bez tytułu

التضليل الثانوي: كيف تستغل روسيا وقف إمدادات الغاز في عام 2022 في حملتها الدعائية الحالية



التضليل الثانوي: كيف تستغل روسيا وقف إمدادات الغاز في عام 2022 في حملتها الدعائية الحالية
في بداية شهر نوفمبر من عام 2024، ظهرت منشورات على حسابات دعائية ناطقة بالعربية تروج للسردية الروسية، تشير إلى أن بولندا، ومن ثم بلغاريا والنمسا، وافقت على دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل. ووفقًا لهذه الادعاءات، يُزعم أن المفوضية الأوروبية قد سمحت لدول الاتحاد الأوروبي بشراء الغاز بالعملة الروسية في مواجهة أزمة مزعومة. ومع ذلك، كانت هذه المعلومات تشير إلى أحداث وقعت في الماضي، وتحديدًا في أبريل 2022، عندما أوقفت روسيا بالفعل إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا بسبب رفضهما الدفع بالروبل.
في الواقع، ومنذ ذلك الوقت، نجحت بولندا وبلغاريا في تقليل اعتمادهما على الغاز الروسي بشكل كبير، حيث استثمرتا في مصادر طاقة بديلة. فما الذي يفسر عودة هذا السرد مجددًا؟ وما الهدف الذي تسعى إليه الكرملين من خلال تقديم أحداث تاريخية على أنها وقائع حالية؟
في هذا المقال، سنحلل آليات التضليل الروسي ونبحث في أهدافه ضمن السياق الجيوسياسي الجديد. وتُعد هذه الدراسة حالة عملية لفهم كيفية استخدام روسيا للتضليل كأداة في حربها المعلوماتية، بهدف التلاعب بالرأي العام وتعزيز موقفها السياسي.

آلية التضليل الإعلامي
السرديات الدعائية الروسية التي تشير إلى أحداث من الماضي، مثل تلك التي وقعت في أبريل 2022، تمثل مثالًا بارزًا على الاستخدام الاستراتيجي للتضليل الإعلامي في الحرب المعلوماتية التي يشنها الكرملين. يمكن تحليل الآلية المستخدمة في هذا السياق من خلال عدة محاور رئيسية.
أولًا: التلاعب بالإدراك الزمني والأحداث.
تعمل الدعاية الروسية عمدًا على تصوير الأحداث الماضية على أنها أحداث حالية، مما يؤدي إلى خلق فوضى معلوماتية. الجمهور، الذي قد يتذكر بعض هذه الأحداث من سنوات ماضية، غالبًا ما يواجه صعوبة في استحضار التفاصيل الدقيقة أو تواريخ تلك الأحداث. ينتج عن ذلك تشويش يصعب معه تقييم الأحداث بشكل صحيح من حيث تسلسلها الزمني. وفي النهاية، يؤدي التضليل الإعلامي إلى أن يصدق بعض المتلقين افتراضات خاطئة، مثل أن بولندا وبلغاريا ودولًا أخرى في الاتحاد الأوروبي قد غيّرت بالفعل مواقفها تجاه روسيا ووافقت على شروط الكرملين، مثل الدفع بالروبل مقابل الغاز.
ثانيًا: تقويض التضامن الأوروبي.
النص السردي الذي يوحي بأن دول الاتحاد الأوروبي وافقت على الدفع بالعملة الروسية يستهدف تقويض الوحدة داخل إطار السياسة الطاقوية المشتركة للاتحاد الأوروبي. مثل هذه الرسائل تخلق صورة لدول الأعضاء على أنها غير متماسكة وعرضة لضغوط موسكو، مما يضعف الثقة في الجهود الأوروبية لتعزيز تنويع مصادر الطاقة. تدمير الجبهة الموحدة لدول الاتحاد الأوروبي ضد روسيا يظل أحد الأهداف الرئيسية للتضليل الروسي في سياق السياسة الطاقوية.
ثالثًا: بناء وهم نجاح السياسة الروسية.
تسعى روسيا من خلال هذه السرديات إلى تعزيز صورتها كفاعل قوي على الساحة الجيوسياسية، لا يزال يمتلك أدوات للضغط على الدول الأوروبية رغم العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية. هذه السرديات تقدم روسيا كدولة مستقلة ومهيمنة عالميًا، تتصدى بفعالية لما يسمى “الإمبريالية الغربية”. وفي الفضاء الإعلامي العربي، تجد هذه الرسائل أرضًا خصبة نتيجة الشكوك التاريخية تجاه السياسات الأمريكية والأوروبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA).
رابعًا: تعزيز صورة روسيا كشريك موثوق.
تحاول روسيا إثارة التعاطف وبناء صورتها كشريك موثوق بديل للسياسات الأمريكية والأوروبية. تصوير دول الاتحاد الأوروبي على أنها “مهانة” من قبل روسيا ومجبرة على تقديم تنازلات، مثل الدفع بالروبل، يهدف إلى إضعاف مصداقية الغرب وتعزيز موقف الكرملين كشريك اقتصادي وسياسي أكثر استقرارًا في نظر دول الجنوب العالمي.
هذا النوع من التضليل الإعلامي ليس عملًا عشوائيًا، بل هو جزء من استراتيجية مدروسة بعناية ضمن الحرب المعلوماتية الروسية الأوسع، التي تهدف إلى زعزعة استقرار أوروبا وتعزيز النفوذ الروسي على الساحة الدولية في آنٍ واحد.
أهداف الدعاية الروسية
نشر التضليل الإعلامي، مثل السرد المتعلق بالدفع بالروبل، يهدف بشكل رئيسي إلى تحويل الانتباه عن المشكلات الحالية التي تواجهها روسيا. في أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر من عام 2024، كان الكرملين يواجه وضعًا صعبًا على المستويين الدولي والداخلي. أحد أبرز التحديات كان الوضع الجيوسياسي المتوتر الناتج عن استمرار الحرب في أوكرانيا، التي تستنزف موارد مالية وبشرية هائلة وتؤدي إلى تدهور صورة روسيا في نظر الرأي العام الدولي. إضافة إلى ذلك، جاءت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لتشكل عاملًا قد يؤثر على قرارات الغرب بشأن استمرار دعم أوكرانيا. كما أن روسيا كانت تعاني من عزلة سياسية واقتصادية متزايدة بسبب العقوبات المفروضة عليها، والتي حدّت بشكل كبير من وصول الكرملين إلى الأسواق العالمية والتقنيات المتقدمة.
خلق السرديات حول ما يُزعم أنه نجاحات في السياسة الغازية كان وسيلة تستخدمها روسيا لتحويل الانتباه عن هذه التحديات. فالدعاية التي توحي بأن الدول الأوروبية قد عادت لقبول شروط روسيا المتعلقة بالدفع بالروبل كانت تهدف إلى التغطية على الضربات الرمزية التي تعرضت لها الاستراتيجية الطاقوية الروسية نتيجة تنويع مصادر الطاقة الأوروبية، وهي عملية بدأت بعد قطع إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا في عام 2022. على الرغم من أن هذه الأحداث كانت تُعتبر في البداية خطوة قوية من جانب الكرملين، إلا أنها أصبحت في النهاية دليلًا على فعالية استراتيجية الاتحاد الأوروبي للابتعاد عن الاعتماد على الموارد الروسية. ومع ذلك، حاولت الدعاية الروسية تقويض نجاح هذه الجهود من خلال بناء صورة زائفة تعتمد على استمرار اعتماد أوروبا على روسيا.
كما استهدفت هذه السرديات الجمهور في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، حيث كانت تهدف إلى تعزيز مكانة روسيا في أوساط دول الجنوب العالمي. سعى الكرملين إلى تصوير نفسه كوسيط فعّال ومدافع عن مصالح هذه المنطقة، مما يتناقض مع صورة الغرب الذي يُنظر إليه في كثير من الأحيان في هذه الدول على أنه تدخلّي وإمبريالي. ومن خلال تسليط الضوء على ما وصفته الدعاية بالضعف الأوروبي أمام الضغوط الروسية، أكدت روسيا على فكرة أن التعاون معها أكثر استقرارًا وفائدة مقارنةً بالدول الغربية.
هذا السرد المصمم بهذه الطريقة كان يخدم أهداف الكرملين السياسية والاقتصادية على جبهتين رئيسيتين. أولًا، سعى إلى تقويض مصداقية الغرب وقدرته على تنفيذ سياسة طاقوية فعالة، مما يؤدي في الوقت نفسه إلى إضعاف وحدة الاتحاد الأوروبي. ثانيًا، عزز صورة روسيا كشريك موثوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يدعم نفوذها ومكانتها في دول الجنوب العالمي.
هذا النوع من التضليل الإعلامي لم يكن مجرد أداة لتعزيز الأهداف الدولية للكرملين، بل كان أيضًا وسيلة لتحويل الانتباه عن المشكلات الداخلية وتعزيز صورة روسيا كدولة قوية وقادرة على العمل بفعالية على الساحة العالمية.
تقنيات الدعاية في استراتيجية الكرملين
في العملية التضليلية التي تم مناقشتها، استخدم الكرملين عدة تقنيات تلاعبية مميزة تعد جزءًا ثابتًا من ترسانة الدعاية الروسية. من أكثر الأساليب شيوعًا ما يُعرف بـ “إعادة تدوير المعلومات”، وهو تقديم أحداث من الماضي وكأنها وقائع حالية. تعتمد هذه السرديات على افتراض أن الجمهور قد لا يتذكر تفاصيل الأحداث التي وقعت قبل عدة سنوات، مما يفتح المجال للتلاعب بإدراكه.
في حالة التضليل الإعلامي الذي حدث في نوفمبر 2024، استُغلت أحداث أبريل 2022، عندما أوقفت روسيا بالفعل إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا بسبب رفضهما الدفع بالروبل. استدعاء حدث حقيقي من الماضي أضفى على السردية درجة من المصداقية، ولكن تم إدخال عنصر تلاعب رئيسي: حيث تم تقديم هذه الواقعة وكأنها حدثت حاليًا، مع الإيحاء بأن هذه الدول قد غيرت موقفها ووافقت على شروط الكرملين. العنصر الزائف بشكل خاص كان الادعاء بأن المفوضية الأوروبية أجبرت بقية الدول الأعضاء على تسوية المدفوعات بالعملة الروسية. بهذه الطريقة، تم خلق صورة غير صحيحة تمامًا عن الوضع الحالي، استنادًا إلى أحداث حقيقية ولكن تم إخراجها من سياقها.
تقنية “إعادة تدوير المعلومات” تكون فعّالة بشكل خاص عند إضافة عناصر يمكن وصفها بـ “التلوين” أو تحريف الحقائق. في هذه الحالة، استندت روسيا إلى حقيقة أن قطع إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا حدث بالفعل، وأن النزاع حول المدفوعات بالروبل كان حقيقيًا. لكن توسيع هذه السردية لتشمل ادعاءات كاذبة حول التصرفات الحالية للمفوضية الأوروبية ودول الاتحاد الأوروبي أدى إلى إنشاء خبر زائف تقليدي، حيث استُخدمت ذرة من الحقيقة لإضفاء مصداقية على قصة كاملة زائفة.
العمليات التضليلية من هذا النوع ليست عشوائية أو تلقائية، بل هي جزء من خطة استراتيجية أوسع، تلعب فيها تقنيات التلاعب مثل “إعادة تدوير المعلومات” وإنشاء الأخبار الزائفة القائمة على جزء من الحقيقة دورًا رئيسيًا. هذا النهج لا يؤدي فقط إلى خلق ارتباك بين الجمهور، ولكنه أيضًا يعقد الجهود الرامية لمواجهة الدعاية بشكل فعال، خاصة في المجتمعات التي يكون فيها الوصول إلى مصادر معلومات موثوقة محدودًا.

الاستنتاجات
التضليل الإعلامي حول الدفع مقابل الغاز بالروبل يشكل جزءًا من استراتيجية إعلامية أوسع لروسيا، تهدف ليس فقط إلى زعزعة الاستقرار في أوروبا وإضعاف التماسك الداخلي للاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا إلى تعزيز النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA). توجيه هذه السردية إلى الجمهور في الفضاء الإعلامي العربي يهدف بشكل أساسي إلى بناء صورة لروسيا كفاعل عالمي قادر على فرض إرادته حتى على الدول الغربية. هذا السعي يدعم المصالح الروسية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي غالبًا ما تنأى بنفسها عن الصراعات الأوروبية، لكنها في الوقت نفسه قد تكون عرضة للمشاعر المعادية للغرب.
في الفضاء الإعلامي العربي، الهدف من هذا النوع من التضليل هو تعزيز صورة روسيا كشريك اقتصادي وسياسي موثوق، في تناقض واضح مع الغرب الذي يتم تصويره على أنه “غير منسجم وضعيف”. كما تهدف هذه السردية إلى صرف الانتباه عن المشكلات الداخلية لروسيا وإثارة الشكوك حول فعالية العقوبات الغربية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإيحاء بأن الدول الأوروبية “ترضخ” لروسيا يعزز الشعور بأن التعاون مع موسكو يجلب فوائد أكبر من التحالف مع الدول الغربية.
يجب على متلقي هذه الرسائل – سواء في أوروبا أو في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – أن يتحلوا بالحذر الشديد وأن يستندوا في تشكيل آرائهم إلى مصادر معلومات موثوقة وموثقة. فأنشطة التضليل الإعلامي الروسية يتم التخطيط لها بعناية ويتم تكييفها مع خصوصيات الجمهور المستهدف، مما يجعل التحليل النقدي والتحقق من المعلومات أدوات أساسية لمواجهة تأثيرها.


A public task financed by the Ministry of Foreign Affairs of the Republic of Poland within the frame of “Public Diplomacy 2024-2025: The European Dimension and Countering Disinformation” contest

The publication expresses only the views of the author and cannot be identified with the official position of the Ministry of Foreign Affairs of the Republic of Poland.