* * *
* * *
في عصر تتغير فيه ملامح الاتصال العالمي باستمرار، أصبحت البيئة الإعلامية المصرية مكانًا تكتسب فيه العمليات التأثيرية المتقدمة بُعدًا جديدًا. ومن بين الروايات والرسائل العديدة التي تشكل الرأي العام، تبرز الأعمال التي تنفذها روسيا والصين باعتبارها محل اهتمام خاص. هل يمكن للآليات المستخدمة من قبل هذه الدول أن تؤثر على إدراك الواقع في منطقة تُعد فيها المشاعر والتجارب التاريخية عنصرًا مهمًا في تشكيل المواقف الاجتماعية؟
-
تحليل العمليات الإعلامية
العمليات التأثيرية الروسية
زعزعة صورة الغرب وبولندا
تصور الروايات الروسية بشكل منهجي حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كجهات اعتداء وزاعزعة للقوة وكرموز جديدة للإمبريالية. ويتم إيلاء اهتمام خاص لبولندا – التي تُعرض كعضو رئيسي في حلف الناتو ودولة تحد أوكرانيا – حيث تُنسب إليها دور المشاركة في الخطة المزعومة لتقسيم أوكرانيا. وتهدف هذه الرسائل إلى تقويض ثقة المجتمع المصري في الهياكل الغربية وإيجاد صورة للدول الغربية كأدوات عدوانية للإمبريالية.
بناء صورة إيجابية لروسيا
على النقيض من الصورة السلبية للغرب، تبني الدعاية الروسية صورة روسيا كشريك مستقر وودود. ومن أمثلة هذه الأعمال، على سبيل المثال لا الحصر، الترويج للتعاون مع مصر في إطار مجموعة البريكس، وتسليط الضوء على مشاريع البنية التحتية مثل محطة دباء النووية، وكذلك عرض مبادرات مثل جمع الهدايا للجنود، والتي تهدف إلى الإيحاء بدعم دولي واسع للعمليات العدوانية الروسية في أوكرانيا.
الاستراتيجيات الإعلامية الصينية
التركيز على الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية
تتميّز الأنشطة الإعلامية الصينية في مصر بمستوى أقل من المواجهة مقارنة بتلك الروسية، ويركز اهتمامها الأساسي على القضايا الاقتصادية وتحديث البنية التحتية. وتشمل العناصر الرئيسية للرسالة، على سبيل المثال لا الحصر، الترويج المكثف للاستثمارات الصينية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCZone)، والدعم الخفي للروايات المعادية للغرب من خلال الإشارة إلى التهديد المزعوم الذي تشكله بنية حلف الناتو في بولندا، وإيجاد صورة للصين كشريك موثوق في التحول الطاقي والتكنولوجي لمصر.
-
آليات العمليات النفسية وتقنيات الدعاية
استخدام التلاعب العاطفي
تستخدم كل من الاستراتيجيتين – الروسية والصينية – تقنيات إقناعية متقدمة تؤثر على مشاعر المتلقين. ومن بين الآليات الرئيسية:
• الخوف وعدم الثقة: رسائل تخلق انطباعًا بالتهديد من التدخلات الغربية والتحالفات العسكرية.
• الغضب والإحباط: روايات تتهم الغرب بالاستغلال الاقتصادي وفرض ظروف اقتصادية غير مواتية.
• الهوية الثقافية: التأكيد على الفروق الثقافية التي تهدف إلى الإيحاء بفرض الغرب لقيم لا تتوافق مع تقاليد المنطقة.
تحديد الأجندة وتأطير الرسائل
كما تستخدم الدعاية تقنيات التركيز الانتقائي على الموضوعات:
• تحديد الأجندة: تقوم وسائل الإعلام الموالية لروسيا، مثل سبوتنيك العربية وRT العربية، باختيار الموضوعات التي تهيمن على الرسالة ومنحها أولوية استراتيجية.
• تأطير الرسائل: تُعرض الأحداث الدولية، مثل العمليات العسكرية أو التدخلات السياسية، بطريقة تفرض على الجمهور تفسيرًا محددًا – غالبًا مع التأكيد على الصورة الإيجابية لأعمال روسيا والصين والطابع السلبي للتدخلات الغربية.
-
استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية
في الفضاء الإعلامي المصري، يُلاحظ تواصل واضح بين وسائل الإعلام الحكومية والمنصات الرقمية الحديثة. إن هيمنة القنوات التي تخضع لسيطرة الدولة تتيح التوزيع الواسع للرسائل الدعائية. وعلاوة على ذلك، يتم استغلال نشاط وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُستهدف الجماهير الشابة من خلال الروايات المتكررة والصيغ الجذابة (مثل الميمات والفيديوهات). -
العمليات الموجهة نحو تشكيل تصور بولندا وحلف الناتو
يُولى اهتمام خاص أيضًا للروايات الموجهة ضد بولندا وحلف الناتو. تشمل التقنيات المثلى على سبيل المثال لا الحصر، إنشاء اتهامات زائفة بشأن تقسيم أوكرانيا وتصوير بولندا كدولة مهيجة، واستغلال أحداث مثل إغلاق القنصلية العامة الروسية في بوزنان لبناء صورة لبولندا كأداة لطموحات الإمبريالية الغربية، وتعبئة المشاعر السلبية، مثل الخوف من زعزعة الاستقرار والغضب تجاه التدخل الخارجي، والتي تهدف إلى تقويض مصداقية المؤسسات الغربية.
عند تحليل الفضاء الإعلامي المصري، يمكن القول إن العمليات الإعلامية التي تنفذها روسيا والصين معقدة للغاية وموجهة بدقة. إن الآليات المستخدمة في هذه الحملات – بدءًا من الاختيار الانتقائي للموضوعات، مرورًا بتكرار الرسالة، وصولاً إلى التلاعب العميق بالمشاعر – يمكن أن يكون لها تأثير كبير في تشكيل الرأي العام في مصر. وفي سياق الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحلية، قد تؤدي الأعمال الدعائية الموجهة ضد الدول الغربية إلى تغييرات دائمة في تصور التحالفات الدولية والعلاقات السياسية.
-
المصدر والخلفية التحليلية
يعتمد هذا التحليل على فصل من تقرير “دراسة البيئة الإعلامية المصرية“، الذي تم تطويره في إطار مشروع “ألباتروس II – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – مواجهة التضليل والتهديدات الإعلامية للقيم والمؤسسات الديمقراطية“، والذي يؤثر سلبًا على العلاقات الدولية ويؤثر سلبًا على صورة بولندا في لبنان والعراق ومصر. يشكل تقرير “دراسة تأثير التضليل والدعاية على مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا — تقرير، استراتيجيات الدفاع وتنفيذ التوصيات“ تحليلًا متعدد الجوانب للبيئة الإعلامية المصرية، حيث تُعرض بالتفصيل بنية وخصائص وسائل الإعلام، وعادات المجتمع الإعلامية، وآليات التأثير التي تستخدمها الجهات الخارجية.
ندعوكم للاطلاع على النسخة الكاملة من التقرير، الذي يقدم معلومات قيمة وتوصيات للمحللين والخبراء العاملين في مجال أمن المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.