رسائل كوتراشيف حول الشرق الأوسط تنهار تحت وطأة الأسئلة الملحة

خلال مقابلة مباشرة على قناة الشرقية العراقية، واجه السفير الروسي في العراق، إلبروس كوتراشيف، صعوبة في الرد على الأسئلة الصعبة، حيث كان يتجنب في كثير من الأحيان تقديم إجابات واضحة أو يلجأ إلى تصريحات بدت وكأنها تستخف بذكاء الجمهور. وبحكم اعتياده على معاملة إعلامية أكثر ودية، حاول كوتراشيف تقويض مكانة الصحفي حسام علي من خلال وصفه بـ “صديق روسيا”، في إشارة إلى أن ذلك قد يجعله تحت مراقبة أمريكية. غير أن الصحفي رفض هذا التلميح، مؤكداً التزامه بالحفاظ على نهج متوازن وحيادي مع جميع الضيوف. نفي التورط في دائرة الأسد المقربة بدأت المقابلة بأسئلة حول سوريا وزعيمها المعزول بشار الأسد. وعندما سُئل عن محاولة مزعومة لتسميم الأسد في موسكو، أجاب كوتراشيف بأنه “لا يعلم شيئًا عن ذلك”، وادعى أنه لو حدث ذلك بالفعل، لكان “من شبه المؤكد” على علم به. وعندما تم استجوابه حول ما إذا كانت السفارة الروسية في العراق قد ساعدت شقيق الأسد، ماهر الأسد، على مغادرة البلاد، رد كوتراشيف بسخرية قائلاً: “أليس لديه أصدقاء آخرون في العراق؟”. ثم أضاف أن مثل هذه المساعدة كانت ستكون مستحيلة لأنها تتعارض مع البروتوكولات الدبلوماسية. كما صرح كوتراشيف بأن السفارة الروسية محمية من قبل القوات الأمنية العراقية وتخضع للمراقبة المستمرة من قبل الطائرات الأمريكية بدون طيار وأجهزة الاستخبارات البريطانية. في الوقت نفسه، زعم كوتراشيف أن روسيا لا تقوم بأي عمليات مراقبة في العراق لأنها تفتقر إلى القدرات التكنولوجية، مثل الطائرات بدون طيار، ولأن روسيا – بحسب قوله – “لا تصفي حساباتها مع دول أخرى” على الأراضي العراقية، على عكس الولايات المتحدة التي اتهمها بأنها “تجمع معلومات عن مختلف السياسيين”. ومع ذلك، رفض كوتراشيف توضيح نوعية المعلومات التي يُزعم أنه يتم جمعها أو عن من يتم جمعها، مما أثار تساؤلات حول كيفية امتلاكه لمثل هذه المعرفة إذا كانت المخابرات الروسية – بحسب ادعائه – لا تنفذ أي أنشطة في العراق. وقد سلط هذا التبادل الضوء على التناقضات في تصريحات كوتراشيف، حيث واصل الصحفي الضغط عليه، مما أجبر السفير على التهرب من الإجابات أو التقليل من أهمية الموضوع. وفي نهاية المطاف، وعندما سُئل مرة أخرى عن ماهر الأسد، صرح كوتراشيف بأن السفارة لم يكن لها أي اتصال به، وأنه لا يعلم ما إذا كان ماهر موجودًا حاليًا في موسكو. بوصلة أخلاقية انتقائية: الأسد مقابل تسوركوف عندما سُئل عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع السلطات الجديدة في سوريا بشأن تسليم بشار الأسد، صرح كوتراشيف بأن روسيا “لا تشارك في صفقات غير أخلاقية”. وقد جاءت هذه التصريحات على النقيض تمامًا من رده لاحقًا بشأن عدم تحرك روسيا في قضية إليزابيث تسوركوف، الصحفية الإسرائيلية التي تحمل الجنسية الروسية، والتي اختُطفت في مارس 2023 في العراق على يد جماعات مسلحة تُعرف بـ”المقاومة” — وهي ميليشيات شيعية مرتبطة بإيران، تحظى بدعم من روسيا، ويُقال إن كوتراشيف يحتفظ بعلاقات وثيقة معها. برر كوتراشيف عدم اتخاذ روسيا أي إجراء بالقول إن بلاده لم تتلقَ أي إخطار رسمي وخطي بشأن اختطافها. ويُفهم من هذا التصريح أن كوتراشيف يعتبر، على ما يبدو، أن تسليم ديكتاتور مسؤول عن قتل جماعي لشعبه هو أمر “غير أخلاقي”، بينما يعتبر أن التحرك لحماية مواطنة روسية مختطفة هو أمر “مستحيل” دون مستندات رسمية. وفي هذا السياق، يبدو أن ادعاء كوتراشيف السابق بأن روسيا تضع سمعتها الدولية على رأس أولوياتها هو ادعاء ساخر وغير صادق إلى حد بعيد. احتضان روسيا لـ “المقاومة” وإرثها الاستعماري أما بالنسبة لـ “المقاومة” نفسها (وهي كلمة تعني “المقاومة” بالعربية)، فقد زعم كوتراشيف أن روسيا لا تدعم “المقاومة” كمنظمة، بل تدعم فكرة “المقاومة” بشكل عام، والتي وصفها بأنها “في روحنا ودمنا”. وأكد كذلك قائلاً: “منذ أيام الاتحاد السوفيتي، كنا ندعم المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار والإمبريالية. لقد لعبنا دورًا رئيسيًا في انهيار الاستعمار. ونحن الآن نواصل نفس الجهود ضد الاستعمار الجديد.” ومع ذلك، فإن مثل هذه التصريحات تتناقض بشكل صارخ مع الواقع التاريخي. فلا تزال روسيا واحدة من آخر الإمبراطوريات الاستعمارية التي تحتفظ بهذه الهوية وتتبناها علنًا، كما يظهر بوضوح في وسائل الإعلام الحكومية الروسية والخطاب السياسي الرسمي. فطوال القرن التاسع عشر، ولاحقًا تحت حكم الاتحاد السوفيتي في القرن العشرين، وسعت روسيا حدودها من خلال غزو العديد من الشعوب والدول، واستعمارها من خلال توطين الروس الإثنيين فيها. كما أن الاتحاد السوفيتي احتل تقريبًا جميع دول أوروبا الوسطى لمدة تزيد عن 45 عامًا. إن ادعاء كوتراشيف بأن “روسيا لم تكن قوة استعمارية في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر”، وبأن “كلما دخلنا إلى بلد ما، فإننا نقيم علاقات متكافئة”، هو تصوير مشوه للواقع، ويُعد نموذجًا معتادًا من أساليب الدعاية التي يعتمدها. تبرير الهجمات على القواعد الأمريكية باعتبارها “مقاومة” تعكس ردود كوتراشيف المراوغة على الأسئلة المتعلقة بدعم “المقاومة” رغبة روسيا في الحفاظ على علاقاتها مع هذه الجماعات دون أن تعلن صراحة تأييدها للهجمات التي تشنها على القواعد الأمريكية في العراق — وهي القواعد التي تعمل بتفويض رسمي من الحكومة العراقية. وفي الوقت ذاته، رفض كوتراشيف أي مقارنة بين الوجود العسكري الأمريكي في العراق ووجود روسيا في سوريا، واصفًا الأول بأنه “احتلال”. وقد كان هذا تلاعبًا متعمدًا بالوقائع، حيث أن القوات الأمريكية التي دخلت العراق في عام 2003 انسحبت في عام 2011، منهية بذلك رسميًا فترة الاحتلال. أما الوجود العسكري الأمريكي الحالي، فهو قائم بناءً على طلب الحكومة العراقية في عام 2014 لتقديم المساعدة الدولية في محاربة تنظيم داعش. تبرير الهجمات على المنشآت الأمريكية باعتبارها أعمال مقاومة مشروعة ورغم ذلك، سمحت هذه الرواية لكوتراشيف بتبرير هجمات “المقاومة” على المنشآت الأمريكية باعتبارها أعمال مقاومة مشروعة بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وادعى كذلك أن رد روسيا على الضربات الجوية الأمريكية ضد جماعات “المقاومة” هو أن “150 مليون روسي يصلون” من أجل مقاتليها. كما ألمح كوتراشيف إلى أن روسيا ستُبدي تضامنًا مماثلًا إذا تعرضت إيران لهجوم. وفي سياق التطورات في سوريا، سُئل كوتراشيف أيضًا عن سبب ظهور روسيا وكأنها تتخلى عن شركائها القدامى مثل بشار الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق. وقد رفض السفير الروسي هذا الاتهام بشدة، مدعيًا أن سقوط الأسد كان نتيجة “الديناميكيات الداخلية السورية”. وأضاف قائلاً: “كانت روسيا آخر من نفذ ضربات جوية ضد قوات المعارضة في إدلب”. ومع ذلك، وعندما سُئل عن نقل المعدات العسكرية الروسية الثقيلة من سوريا إلى ليبيا، صرح كوتراشيف بأن هذه المعدات كانت مطلوبة في ليبيا بسبب القتال المستمر هناك والحاجة إلى استهداف الإرهابيين. وقد تناقض هذا الرد بشكل مباشر مع زعمه السابق بأن روسيا قد أنهت بالفعل عملياتها العسكرية في سوريا. وأضاف كوتراشيف أن روسيا لم تعد لديها أي أهداف عسكرية في سوريا لأنه، بحسب قوله، لم يعد هناك حرب