Bez tytułu

“صوت غربي” في خدمة الدعاية الروسية: حالة وارن ثورنتون في الفضاء الإعلامي العربي

 

"صوت غربي" في خدمة الدعاية الروسية: حالة وارن ثورنتون في الفضاء الإعلامي العربي


في ليلة 9-10 سبتمبر 2025، شهدت الأجواء البولندية وأجواء حلف الناتو انتهاكًا غير مسبوق. فخلال هجوم روسي مكثف بالطائرات المسيّرة على أوكرانيا، اخترقت عدة طائرات مسيّرة الأجواء البولندية. تمكنت الدفاعات الجوية البولندية ومقاتلات الناتو من تحييد بعضها، وتسببت شظايا الطائرات المتساقطة في أضرار مادية في الجزء الشرقي من البلاد. كان هذا أول تأكيد واضح على أن العدوان الروسي على أوكرانيا يطال الآن المجال الأمني للحلف نفسه.

لم تتأخر ردود الفعل. فقد سارعت قنوات الدعاية الروسية والبيلاروسية فورًا إلى التشكيك في المسؤولية عن الحادث، وزعمت أنه كان نتيجة “انحراف عرضي عن المسار”. وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر في الفضاء العام البولندي تعليقات من شخصيات غير رسمية (معلقون وسياسيون معروفون بتبنيهم لروايات الكرملين) الذين اتهموا أوكرانيا “بالاستفزاز” ومحاولة جر بولندا إلى الحرب، دون أي دليل.

وبدأت أصوات مماثلة تظهر أيضًا في الغرب. تم تسليط الضوء بشكل خاص على تعليق من وارن ثورنتون، الذي قُدم على أنه صحفي بريطاني، حيث كتب على مواقع التواصل الاجتماعي: “الصيحات الهستيرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي تشبه صرخات الأطفال الذين يغمى عليهم لرفض إعطائهم قطعة شوكولاتة قبل الغداء. الله وحده يعلم كيف سيتفاعلون إذا اقترب مواطن روسي عادي من حدودهم بعصا.” وفي جزء آخر من نفس المنشور، أضاف ثورنتون: “بذلت روسيا قصارى جهدها لمنع جر دول أخرى إلى هذا الصراع، على الرغم من كل الاستفزازات الأوروبية.”

هذه الروايات تحديدًا، التي تقلل من خطورة الحادث وتلقي باللوم على الغرب وتستغل شخصيات “أصوات غربية”، تحولت في غضون ساعات إلى جزء من عملية معلوماتية أوسع للكرملين. يوضح التحليل التالي كيف تستخدم الدعاية الروسية شخصيات مثل ثورنتون لإضفاء شرعية على رسائلها في العالم العربي، وما هي التقنيات التلاعبية المستخدمة، وكيف يمكن التعرف عليها وتحييدها.

الفكرة الرئيسية والسياق

التعليق الذي أدلى به “الصحفي البريطاني” وارن ثورنتون، والذي وصف فيه رد فعل أوروبا على حادث الطائرات المسيّرة فوق بولندا بأنه “سخيف”، تم استغلاله وتعظيمه بسرعة من قبل وسائل الإعلام التابعة للكرملين أو المرتبطة به، بما في ذلك النسخ العربية. هذا مثال كلاسيكي على الاستشهاد الانتقائي بشخصيات من الغرب لإضفاء مصداقية على الروايات الروسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نشرت قناة RT العربية مادة تشير إلى هذا الرأي وربطته بسيل أوسع من المحتوى الذي يقلل من شأن الحادث ويشكك في مصداقية بولندا وحلف الناتو.

هذه الإجراءات هي جزء من عملية تأثير منسقة، هدفها السيطرة على الرواية: إخفاء مسؤولية روسيا، وتلميح إلى “استفزاز أوكراني”، والسخرية من رد فعل وارسو والحلف.

من هو وارن ثورنتون؟

ثورنتون هو معلق هامشي ومدوّن مؤيد للكرملين، وليس صحفيًا بريطانيًا معروفًا كما تزعم قنوات الدعاية الروسية. لديه تاريخ موثق في نشر المعلومات المضللة عن أوكرانيا (تم توقيفه في المملكة المتحدة عام 2023 بسبب منشورات اعتبرتها الشرطة مضللة). في عام 2025، اشتهر بأطروحة “1.8 مليون” جندي أوكراني قُتلوا (وهو رقم لا أساس له من الصحة) حولته وسائل الإعلام الروسية إلى “خبر عاجل”.

كيف تستخدم وسائل الإعلام الروسية (بما فيها العربية) ثورنتون؟

  • تضخيم سريع: المواد في المواقع الروسية (Runews24، OSN، المواقع المجمعة للأخبار) تعرض اقتباسات من ثورنتون، وتطلق عليه لقب “صحفي بريطاني”، بهدف إعطاء انطباع الحياد الخارجي.
  • الإدخال في سيل المحتوى العربي: تقوم قناة RT العربية بتضخيم التصريح وفي الوقت نفسه تنشر خطوطًا تتوافق مع رسالة الكرملين (“بولندا تتهم بدون دليل”، “ربما كان خطأ”)، مما يخلق لدى المتلقي انطباعًا بوجود إجماع.
  • إعادة تدوير أطروحات سابقة: نفس “الشخص من الغرب” قدم سابقًا روايات جذابة ومتطرفة، تم تكرارها من قبل وسائل الإعلام الموالية لروسيا والمواقع الهامشية على أنها “صوت الصحفي البريطاني”.

تقنيات التلاعب المحددة

  • الاحتكام إلى سلطة (كاذبة) / شهادة سلطة: إضفاء المصداقية على الرسالة عبر الاستناد إلى سلطة مزعومة من الغرب (“الصحفي البريطاني”). في الواقع، هو شخصية هامشية، لكن تسمية “صحفي بريطاني” تعمل كـ”تأثير الهالة”. مثال: العناوين في Runews24/OSN وRT Arabic.
  • غسل المعلومات: تُقدم أطروحة مثيرة للجدل (مثل “1.8 مليون ضحية” أو “الاتحاد الأوروبي هستيري”) من قبل معلق غربي، ثم يتم “غسلها” عبر شبكة من وسائل الإعلام الموالية لروسيا كحقيقة مزعومة من مصدر خارجي.
  • الانتقاء الانتقائي: عرض أصوات فردية (ثورنتون) وتجاهل رد الفعل الغربي السائد (الإدانة الصريحة لانتهاك مجال الناتو) لخلق صورة “شك واسع النطاق”. تناقض: مواقف القادة ووكالات الأنباء مقابل روايات RT العربية.
  • تأطير / اختطاف الإطار: تحويل العبء من “من انتهك المجال البولندي” إلى “هل بولندا والناتو يبالغان في الذعر؟” يتم تعزيز إطار “الذعر” بلغة كاريكاتورية (“هستيريا طفولية”).
  • التوازن الكاذب: مقارنة التلميحات التي لا أساس لها (“ربما استفزاز أوكراني”، “ربما خطأ”) مع النتائج والتقييمات الرسمية للمؤسسات، وكأنهما متساويان في الأهمية. تنشر قناة RT العربية بانتظام لقطات “الطرفان يقولان…”، مما يحيد مسؤولية روسيا.
  • تغيير مسار اللوم: التلميح إلى أن أوكرانيا أو الغرب هما من “يصعدان” الموقف، وهو ما يتناسب مع مجموعة الأطر الملاحظة بعد الحادث: التقليل من الشأن، و”أجسام مجهولة”، وتحويل اللوم، والسخرية من رد فعل بولندا.
  • التضخيم المنسق / محاكاة التأييد الشعبي: التكرار السريع لنفس الرواية بلغات متعددة (روسي/إنجليزي/عربي) عبر مواقع مختلفة، مما يخلق وهمًا بوجود صدى اجتماعي واسع. أمثلة: Runews24 ← المواقع المجمعة ← RT Arabic.

لماذا شخصية “غربية” في الفضاء الإعلامي العربي؟

  • إضفاء الشرعية على رسالة الكرملين أمام الجمهور الذي يشكك في وسائل الإعلام الروسية: “حتى بريطاني يقول…”.
  • تقويض مصداقية الناتو وبولندا: إطار “رد الفعل المبالغ فيه” و”نقص الأدلة” يهدف إلى تخفيف تقييم الانتهاك الفعلي، وهو ما نلاحظه في حزمة الرواية بأكملها بعد 10 سبتمبر.
  • الاستقطاب وتآكل الثقة: الهدف هو تقليل الثقة في البيانات الرسمية وتعزيز الفوضى والعواطف (السخرية/الغضب) مع عكس التسلسل الزمني للأحداث (الجاني-الضحية).

كيف يمكن التعرف على مثل هذه العمليات وتحييدها؟

  • تحقق من الألقاب: “صحفي/خبير غربي” – تحقق من إنجازاته ونطاق تأثيره قبل أن تعتبره مصدرًا موثوقًا. (في حالة ثورنتون – هو معلق هامشي، تم تضخيمه مرارًا وتكرارًا من قبل وسائل الإعلام الموالية لروسيا).
  • ابحث عن المصادر الأولية: هل تؤكد حكومة غربية/حلف/وكالة موثوقة الرسالة؟ (رويترز/أسوشيتد برس/مؤسسات الناتو/الاتحاد الأوروبي).
  • حدد الإطار: إذا كان التركيز على السخرية من الضحية و”تماثل اللوم”، فهذه إشارة إلى إطار تلاعبي (التأطير/التوازن الكاذب).
  • انتبه للتكرار: الاقتباس نفسه في عدة مجالات في نفس الوقت غالبًا ليس “إجماعًا”، بل هو تنسيق (محاكاة التأييد الشعبي).

 

الاستنتاجات

تُظهر حالة ثورنتون كيف يمكن لشخصية فردية وهامشية من الغرب أن تصبح ناقلاً متعدد اللغات لرواية الكرملين (بما في ذلك في الفضاء العربي) بفضل مزيج من السلطة الكاذبة، وغسل المعلومات، والانتقاء الانتقائي، والتضخيم المنسق. من وجهة نظر بولندا، هذا عنصر من أحجية أكبر بعد حادث 10 سبتمبر: “السيطرة على الرواية” بدلاً من الجدل حول الحقائق. إن التعرف على هذه الأنماط والالتزام ببيانات المؤسسات المسؤولة عن الأمن يحد من التعرض لعمليات التأثير.

أمثلة على مصادر الاقتباسات والإشارات

ملاحظة تحريرية: جميع الاقتباسات من وسائل الإعلام الروسية (بما فيها العربية) تم ذكرها كأمثلة على روايات التضليل الإعلامي.