
في أوقات الأزمات، تعتمد الدول بشكل طبيعي على صمود مواطنيها وتضامن المجتمع الدولي. كما يلجأ الأفراد إلى الأصدقاء في الأوقات الصعبة، وتبحث الشركات عن شركاء في أوقات عدم اليقين، تلقى لبنان أكثر من 12 مليار دولار من المساعدات الدولية منذ عام 2019. وقد مكّن هذا الدعم المستشفيات من الاستمرار في العمل، وأتاح للأطفال الوصول إلى التعليم، ووصل الغذاء والمياه النظيفة إلى الأسر المحتاجة، منقذاً أرواح أكثر الفئات ضعفاً.
بالطبع، هذه المساعدات ليست خالية من التحديات: هناك فجوات في التنسيق، مخاوف بشأن الشفافية، وتوزيع غير متساوٍ للموارد. ومع ذلك، فإن التركيز فقط على هذه النقائص خلق مساحة للمعلومات المضللة، التي تقلل من أهمية المساعدات، وتضعف نوايا المانحين، وتضعف الثقة في وقت يحتاج فيه لبنان إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى. كما أشار الرئيس ميشال عون في رؤيته الافتتاحية:
“التزامي هو فتح لبنان للعالمين، الشرق والغرب، وبناء تحالفات وتعزيز العلاقات الخارجية للبنان […] للحفاظ على سيادة لبنان وحرية اتخاذ قراراته.”
وفي هذا السياق، يظل الدعم الدولي، رغم نقائصه، ضرورياً، ولا يمكننا السماح للمعلومات المضللة بتقويضه.
تشكل المعلومات المضللة تهديداً ليس داخلياً فقط، بل تؤثر أيضاً على النسيج الاجتماعي للبنان وعلاقاته الخارجية. فالمساعدات الإنسانية باتت تُصوّر بشكل متزايد على أنها تدخل أجنبي، مما يثير الشكوك بين لبنان وحلفائه. وهذا يقوض الثقة ويهدد بعزلة البلاد عن الشركاء الذين يتدخلون في أوقات الأزمات. كما يشير الخبراء:
“نصنع الأحلام ونحققها، وبغض النظر عن اختلافاتنا، في أوقات الأزمات ندعم بعضنا البعض، لأنه إذا سقط أحدنا، نسقط جميعاً.”
مواجهة المعلومات المضللة أمر بالغ الأهمية لحماية الوحدة الداخلية ومصداقية الشراكات. وعلينا كأفراد أن نتوقف، ونحقق، ونسأل قبل مشاركة المعلومات.
ومن الأمثلة على ذلك المنظمة المزيفة “المنظمة الدولية لحقوق الإنسان وشؤون اللاجئين”، التي ادعت في حلب أنها وقعت اتفاقية مساعدات بقيمة 10 ملايين دولار. وقد استخدمت شعارات الأمم المتحدة المسروقة، وصوراً مزيفة، وتقارير إعلامية مفبركة. وكان هدفها الحقيقي أبداً ليس تقديم المساعدة، بل خلق مظاهر شرعية لنظام الأسد وتقويض الثقة بالمساعدات الدولية الحقيقية. تعمل المعلومات المضللة الجيدة على طمس الخط الفاصل بين الحقيقة والكذب، حتى يبدأ الناس في الشك بالواقع والانقسام إلى طرفين. قوة لبنان تكمن في الوحدة والصمود، وحماية هذه الوحدة تعني كشف الأكاذيب قبل أن تتسبب في الانقسامات.
لا تقتصر المعلومات المضللة على الأخبار الكاذبة فقط، بل يمكن أن تظهر أيضاً على شكل أوسمة أو ألقاب مزيفة. فقد عينت نفس المنظمة الاحتيالية فناناً سورياً كسفير نوايا حسنة للأمم المتحدة للشؤون النسائية، باستخدام لقب بدا دولياً لكنه لم يكن له أي توثيق من الأمم المتحدة. تهدف مثل هذه التكريمات المزيفة والحيل الإعلامية إلى تضخيم مصداقية زائفة، وتحويل الانتباه عن المساعدات الإنسانية الحقيقية، وخلق ارتباك في الرأي العام. يمر لبنان بأزمة حكومية تتطلب تغييراً في طريقة النظر إلى السياسة للحفاظ على الأمن. تزدهر المعلومات المضللة حيث يفشل الحكومة، لذا فإن كشفها والتصدي لها أمر حاسم لمستقبل لبنان.
وظهرت موجة أخرى من المعلومات المضللة حول المساعدات من الإمارات العربية المتحدة، حيث زُعم زوراً أن شحنات المساعدات كانت “مزودة ببرمجيات تجسس” تهدف إلى المراقبة بدلاً من الدعم. استخدمت المنشورات والميمات لغة تثير الخوف وصوراً مزيفة لصناديق المساعدات لتوحي بأن حتى الغذاء والدواء أدوات للتجسس. هذا يحوّل التضامن إلى شكوك، ويقوض الثقة في الشركاء الإنسانيين، ويبعد لبنان عن حلفائه. في الواقع، تعمق هذه الشائعات الانقسامات وتهدد بعزل البلاد في وقت يكون فيه التعاون والدعم الخارجي أساسياً للبقاء. كما يذكر الخبراء:
“وحدتنا هي ضمان أمننا، وتنوعنا يمثل ثراء خبرتنا.” لا يوجد أمن بدون وحدة.
لطالما دعمت بولندا لبنان ليس بالكلمات فقط، بل من خلال برامج إنسانية طويلة الأمد تحدث تغييرات حقيقية:
- المساعدة البولندية (وزارة الخارجية) – لبنان بلد ذو أولوية منذ عام 2018. تشمل المشاريع عيادات تعمل بالطاقة الشمسية، وتحديث المدارس، وأماكن لعب آمنة، ودعم نفسي اجتماعي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية والشركاء المحليين.
- المركز البولندي للمساعدة الدولية (PCPM) – المنظمة غير الحكومية البولندية الوحيدة المسجلة في لبنان، تعمل منذ 2012. تدير PCPM عيادات متنقلة وثابتة في شمال لبنان، لدعم اللاجئين السوريين والأسر اللبنانية.
- العمل الإنساني البولندي (PAH) – متواجد منذ انفجار بيروت عام 2020. يعزز مركز GLOW في PAH مكانة النساء والشباب من خلال التدريب على الروبوتات والطاقة الشمسية والمهارات الرقمية. في عام 2024، أكمل أكثر من 1200 شخص التدريب، وشارك أكثر من 1300 شاب في ورش عمل لتعزيز التماسك الاجتماعي.
في أوقات الأزمات، تكمن قوة لبنان في الوحدة، وصمود المواطنين، والتعاون الدولي. حماية هذه الوحدة تتطلب ليس فقط المساعدات الإنسانية الحقيقية، بل أيضاً مواجهة واعية للمعلومات المضللة – التوقف والتحقق وطرح الأسئلة قبل مشاركة المعلومات. هذا هو المفتاح للحفاظ على أمن لبنان واستقراره ومستقبله.