Alshafafya Szaffaf/szaffafiat

لماذا تحتاج إيران إلى “حليف” مثل روسيا؟

  لماذا تحتاج إيران إلى “حليف” مثل روسيا؟ في مقابلة أجراها السفير الروسي في العراق، إلبروس كوتراشيف، مع الصحفي حسام علي على قناة الشرقية، كشف عن غير قصد حقيقة ما يمكن أن يتوقعه “حلفاء” روسيا منها عندما يحتاجون إلى الدعم: لا شيء. الحرب بين إسرائيل وإيران سرعان ما أكدت هذه الحقيقة، رغم أن طهران كانت قد تلقت أدلة على خيانة موسكو قبل ذلك بوقت طويل. في يناير 2025، كشفت وكالة “تابناك” الإيرانية أن روسيا “تواطأت لصالح إسرائيل” في سوريا، حيث قامت، من بين أمور أخرى، بإيقاف الرادارات خلال غارة إسرائيلية استهدفت قادة إيرانيين على الأراضي السورية. ووفقًا للوكالة الإيرانية، فقد كان هذا مؤشراً واضحاً على وجود تعاون روسي مباشر مع المشروع الإسرائيلي في المنطقة. كما أن موسكو عرقلت الدعم الإيراني للرئيس بشار الأسد خلال هجوم شنه مقاتلو الجماعات الجهادية، وهو ما أدى إلى سقوط مناطق كبيرة من سيطرة النظام. كما أن عملاء مرتبطين بإسرائيل داخل الجيش السوري، وهم محسوبون على روسيا، قاموا بخيانة القائد الإيراني المسؤول عن الدفاع عن حلب، الجنرال بورحمشمي، وساهموا بشكل مباشر في اغتياله. فإذا حدث هذا في الماضي، فهل من المستبعد أن تكون روسيا قد ساعدت إسرائيل أيضاً في تحديد الأهداف خلال “حرب الأيام الاثني عشر” الأخيرة؟ المؤشرات كثيرة، والاحتمال وارد بقوة. يجب على إيران أن تسأل نفسها: لماذا لم تبادر روسيا، رغم حصولها على طائرات مُسيّرة إيرانية من طراز “شاهد“، إلى تزويد طهران بمنظومة الدفاع الجوي S-400 أو الطائرات المقاتلة Su-35، رغم أن إيران كانت في أمسّ الحاجة إليها خلال المواجهة مع إسرائيل؟ الجواب على لسان السفير كوتراشيف نفسه، حيث قال بوضوح إن “روسيا لا تدعم الهجمات على إسرائيل لأن هناك مليون إسرائيلي من أصول روسية يعيشون فيها“. ولعل الأهم من ذلك أن من بينهم عدد من الأوليغارش الروس المرتبطين بالكرملين، مثل رومان أبراموفيتش، الذين نقلوا ثرواتهم إلى إسرائيل لحمايتها من العقوبات الأمريكية. لكن ألم توقع إيران وروسيا في موسكو، في بداية هذا العام، معاهدة “الشراكة الاستراتيجية الشاملة“؟! السفير كوتراشيف أوضح بصراحة ماذا تعني “الشراكة الاستراتيجية” من منظور روسي: ليست تحالفًا، ولا تتضمن أي التزام بالمساعدة في حال التعرض لهجوم، بل فقط وعد بعدم دعم المعتدي. يجب أن نقر بأن الرجل قال الحقيقة: إيران لم تتلقَّ أي مساعدة روسية خلال الهجوم الإسرائيلي، ولن تتلقاها لاحقًا. والسؤال الذي يجب طرحه هو: ما قيمة “شراكة استراتيجية” كهذه؟! وينطبق الأمر ذاته على “المقاومة” في العراق. فلو قررت المشاركة في الحرب، فإن الدعم الروسي، بحسب كوتراشيف، لن يتجاوز “الدعاء لها بالصمود“. الحرب بين إيران وإسرائيل كانت بمثابة هدية لروسيا، ولكن قرار إيران بتهدئة التصعيد شكّل ضربة مؤلمة لموسكو. كانت روسيا تأمل أن تقوم طهران بإغلاق مضيق هرمز، وأن تُهاجم فصائل المقاومة في العراق السفارة الأمريكية وقاعدة “عين الأسد“. لم تكن موسكو قلقة من احتمالية اندلاع حرب مدمرة وطويلة الأمد في إيران، أو اشتعال العراق من الداخل، لأن الأهم بالنسبة لها كان أن تُجرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع جديد في الشرق الأوسط. وهي حرب لا تصبّ في مصلحة أمريكا، ولا العراق، ولا إيران، ولكنها تخدم روسيا بشكل مباشر. في حال اندلاع مثل هذه الحرب، كانت روسيا ستستفيد على عدة أصعدة: أولًا، سيتم سحب القوات والموارد الأمريكية من أوكرانيا ووسط أوروبا، وهو ما يمنح موسكو فرصة للهجوم على دول البلطيق. ثانيًا، سترتفع أسعار النفط والغاز بشكل كبير – وهو أمر مفيد جدًا للاقتصاد الروسي. فروسيا لا تعتمد على مضيق هرمز، في حين أن إيران والعراق سيدفعان الثمن دمارًا وخسارة دون مكاسب تذكر. في النهاية، يبقى السؤال: لمصلحة من تتحرك روسيا في المنطقة؟ وهل آن الأوان للبعض أن يطرح هذا السؤال على نفسه بصدق؟ Witold Repetowicz

الحرب على السرديات في مصر كيف تميّز الدعاية قبل أن تميّزك هي؟

في عالمنا اليوم، لم يعد من الضروري استخدام السلاح للفوز بالحروب – يكفي الكلمة. صورة، مقطع فيديو قصير، أو شعار يُعاد تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون له تأثير أقوى من أحدث التقنيات العسكرية. لقد أصبحت الفضاءات الرقمية ساحات معارك جديدة – لا تُخاض على الأرض، بل على وعي الناس وإدراكهم. ولهذا، فإن فهم آليات الدعاية والمعلومات المضللة لم يعد ترفًا يقتصر على المتخصصين، بل هو ضرورة لكل مواطن يريد أن يحتفظ بالسيطرة على ما يفكر فيه، وما يشعر به، وما يشاركه مع الآخرين. هذا النص لا يهدف إلى انتقاد الحكومات أو المؤسسات أو الأفراد. إنما هدفه هو التوعية – توضيح كيف يمكن لأي جهة صاحبة سلطة، سواء كانت دولة أو شركة أو طرفًا خارجيًا، أن تؤثر على الرأي العام من خلال استخدام أدوات السرد والخطاب. فكلما فهمنا هذه الآليات بشكل أعمق، أصبح من الأصعب على أي جهة أن تتحكم فينا أو توجه وعينا دون أن ننتبه. خلال العقد الأخير، تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت في مصر أكثر من مرّتين. وهذا لا يعني فقط أن الوصول إلى المعلومات أصبح أسهل، بل يعني أيضًا أن فرص التعرّض للتلاعب أصبحت أكبر. فالمجتمع المتعطش للمعرفة يواجه بشكل متزايد محتوى لا يهدف إلى التثقيف أو الإخبار، بل إلى إثارة المشاعر: الغضب، الخوف، الشك، وأحيانًا الكراهية. فالعاطفة، وليست الحقيقة، هي الوقود الأساسي للدعاية. ولا يوجد فراغ في الفضاء الإعلامي. فإذا عجزت وسائل الإعلام الموثوقة عن مخاطبة الناس بلغة بسيطة ومؤثرة ومفهومة، ستملأ هذا الفراغ جهات أخرى تروي القصص بما يخدم مصالحها – حتى وإن لم تكن تلك القصص صادقة. من يتمكن أولًا من تغليف الحقائق في سردٍ مشوّق، يحصل على الانتباه. وفي العصر الرقمي، الانتباه هو العملة الأغلى ثمناً. من بين النماذج المعروفة التي يستخدمها المتخصصون في دراسة التضليل الإعلامي، يبرز ما يُعرف باسم نموذج "4D"، وهو اختصار لأربعة مصطلحات إنجليزية: "Dismiss" (التشكيك)، "Distort" (التحريف)، "Distract" (الإلهاء)، و"Dismay" (الترهيب). ورغم أن هذه الكلمات قد تبدو غريبة في لفظها، إلا أن ممارساتها مألوفة لنا جميعًا في الحياة اليومية. أولًا، "Dismiss" تعني التقليل من شأن الخصم أو نزع المصداقية عنه، ليس من خلال الرد على حججه، بل عبر نعته بصفات مثل "عميل أجنبي"، أو "خائن"، أو حتى "غير متزن عقليًا". أما "Distort"، فهي التلاعب بالمعلومات، كعرض الأرقام دون سياقها الحقيقي، أو استخدام صور مجتزأة، أو المزج بين الحقائق وأنصاف الحقائق لتشكيل صورة مضللة. النمط الثالث، "Distract"، يقوم على خلق ضجة إعلامية مفاجئة – كفضيحة شخصية أو حادث مثير – للتغطية على حدث أكثر أهمية سياسيًا أو اقتصاديًا. وأخيرًا، "Dismay" يتمثل في إثارة الخوف لدى الجمهور، عبر رسائل توحي بأن التفاعل مع محتوى معين قد يؤدي إلى المساءلة القانونية أو الاجتماعية. هذه الأدوات الأربع، عند استخدامها معًا أو بشكل متكرر، لا تهدف إلى نقل الحقيقة، بل إلى توجيه المشاعر وصياغة واقع بديل يخدم مصالح من يملك أدوات السرد. نرى تطبيقات عملية لهذه الاستراتيجيات في الحياة اليومية في مصر. في السنوات الأخيرة، ازدادت السرديات التي تربط بين المشاكل الاقتصادية – مثل ارتفاع الأسعار – وبين وجود المهاجرين أو اللاجئين. هذا النوع من الخطاب لا يستند إلى تحليل علمي لأسباب التضخم أو هيكل السوق، بل إلى تبسيط مفرط يربط الأزمة بجملة واحدة: "الغلاء سببه أن لدينا ضيوفًا كثيرين". مثل هذا الخطاب يُحوّل الانتباه بعيدًا عن الأسباب الحقيقية للاختلالات الاقتصادية، وينقل إحباط الناس إلى الفئات الأضعف في المجتمع، التي لا تملك لا صوتًا ولا حماية. مثال آخر يتمثل في ما يمكن تسميته "تمجيد الرموز الوطنية". مقاطع فيديو قصيرة تُظهر أطفالًا يرددون النشيد الوطني أو يسيرون في زي رسمي تُقابل بتصريحات ناقدة لسياسات الإنفاق الحكومي. الرسالة الضمنية هنا تقول: من ينتقد ميزانية الدولة هو غير وطني، أو ناكر للجميل. هكذا يُوضع المتلقي أمام خيار زائف: إما أن تؤيد الوطن دون شروط، أو تُعتبر "ضده". وهذه الثنائية المصطنعة تُغلق الباب أمام النقاش العام، وتُحوّل الحوار إلى اختبار ولاء بدلًا من مساءلة مسؤولة. التضليل لا يستثني حتى المجال الصحي. خلال جائحة كورونا، وكذلك في حالات الأمراض الموسمية، انتشرت محتويات تستند إلى ما يُزعم أنه "أبحاث سرية" أو "علماء من الخارج"، تؤكد – ظاهريًا – فعالية مذهلة لمكملات غذائية، أعشاب، أو تقنيات علاجية غير مثبتة. وغالبًا ما كان وراء هذه الرسائل مؤثرون محليون يعرضون في الوقت نفسه هذه المنتجات للبيع. وبهذا تحوّل الخوف وعدم اليقين إلى وسيلة للتربّح التجاري. لكن من يقف وراء هذه السرديات؟ في الواقع، الجهات متنوعة. أحيانًا تكون وسائل إعلام رسمية أو شبه رسمية، تستغل منصاتها الكبيرة لبث رواية معينة. وأحيانًا أخرى يكون المرسل مؤثرًا محليًا يصنع مقاطع قصيرة على تطبيقات مثل تيك توك أو Reels، تستهدف فئة الشباب. وهناك كذلك شبكات أوتوماتيكية تُعرف بـ"بوت نت"، وهي حسابات مزيفة تُستخدم بشكل جماعي لتسجيل الإعجابات والتعليقات والمشاركات، فتخلق انطباعًا زائفًا بأن هناك دعمًا شعبيًا واسعًا لمحتوى معين. وفي بعض الحالات، تكون هناك شركات علاقات عامة أجنبية تعمل خلف الكواليس، تُنفذ حملات مدفوعة تستهدف جمهورًا محددًا برسائل مصممة بعناية. الهدف ليس دائمًا سياسيًا، بل قد يكون اقتصاديًا أو تجاريًا، لكن النتيجة واحدة: توجيه الرأي العام نحو سلوك معين دون أن يعي المتلقي أنه يتعرّض للتأثير. كل هذه الأساليب تشترك في هدف واحد: إثارة رد فعل والتأثير على القرارات – وليس بالضرورة أن تكون قرارات سياسية. أحيانًا يتعلق الأمر باختيار منتج معين، وأحيانًا بالتصويت في الانتخابات، وأحيانًا – وهو الأخطر – بزرع الشك داخل المجتمع لدرجة تجعل الناس يفقدون ثقتهم في المؤسسات، في وسائل الإعلام، بل وفي بعضهم البعض. فعندما يسود الاعتقاد بأن "الجميع يكذب"، تظهر اللامبالاة، ويتراجع دور العقل. وفي هذه اللحظة، لا يعود القرار بيد من يمتلك المعرفة، بل بيد من يصرخ أعلى. فكيف نتحصن؟ البداية تكون بالوعي والتأمل. إذا واجهتنا رسالة إعلامية تثير فينا مشاعر قوية – مثل الغضب أو الخوف أو الإحساس بالظلم – فمن الأفضل أن نتريث قبل أن نشاركها. وإذا كانت الرسالة تفتقر إلى تاريخ نشر، أو مصدر موثوق، أو اسم واضح لكاتبها، فذلك مؤشر على ضرورة التشكيك في مصداقيتها. من المفيد أيضًا مقارنة التغطيات: كيف تعالج وسائل الإعلام الأجنبية أو المستقلة الموضوع نفسه؟ هل تظهر روايات مختلفة؟ هذه المقارنة تكشف كثيرًا مما قد يغيب عن المتلقي. يجب أن ننقل هذه المهارات إلى محيطنا – إلى العائلة والأصدقاء – ونعلّمهم، مثلًا، كيف يمكن التحقق من صحة عنوان خبر عبر كتابته في محرك البحث مع كلمة "خدعة" أو "hoax"، أو كيف نستخدم مواقع التحقق من المعلومات. الأمر لا يتعلق بمجرد مواجهة خبر كاذب بعينه، بل ببناء مناعة فكرية طويلة الأمد. لأن السؤال الحقيقي ليس "من المحق؟"، بل "من يضع إطار النقاش؟". من الذي يحدد موضوع الحديث، ونبرة الخطاب، ومن هو في الداخل ومن هو في الخارج؟ وإذا استطعنا نحن تحديد ذلك، فلن تقدر أي حملة تضليلية – محلية كانت أو أجنبية – على جرّنا إلى معركة لم نخترها بإرادتنا.

في عالمنا اليوم، لم يعد من الضروري استخدام السلاح للفوز بالحروب – يكفي الكلمة. صورة، مقطع فيديو قصير، أو شعار يُعاد تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون له تأثير أقوى من أحدث التقنيات العسكرية. لقد أصبحت الفضاءات الرقمية ساحات معارك جديدة – لا تُخاض على الأرض، بل على وعي الناس وإدراكهم. ولهذا، فإن فهم آليات الدعاية والمعلومات المضللة لم يعد ترفًا يقتصر على المتخصصين، بل هو ضرورة لكل مواطن يريد أن يحتفظ بالسيطرة على ما يفكر فيه، وما يشعر به، وما يشاركه مع الآخرين. هذا النص لا يهدف إلى انتقاد الحكومات أو المؤسسات أو الأفراد. إنما هدفه هو التوعية – توضيح كيف يمكن لأي جهة صاحبة سلطة، سواء كانت دولة أو شركة أو طرفًا خارجيًا، أن تؤثر على الرأي العام من خلال استخدام أدوات السرد والخطاب. فكلما فهمنا هذه الآليات بشكل أعمق، أصبح من الأصعب على أي جهة أن تتحكم فينا أو توجه وعينا دون أن ننتبه. خلال العقد الأخير، تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت في مصر أكثر من مرّتين. وهذا لا يعني فقط أن الوصول إلى المعلومات أصبح أسهل، بل يعني أيضًا أن فرص التعرّض للتلاعب أصبحت أكبر. فالمجتمع المتعطش للمعرفة يواجه بشكل متزايد محتوى لا يهدف إلى التثقيف أو الإخبار، بل إلى إثارة المشاعر: الغضب، الخوف، الشك، وأحيانًا الكراهية. فالعاطفة، وليست الحقيقة، هي الوقود الأساسي للدعاية. ولا يوجد فراغ في الفضاء الإعلامي. فإذا عجزت وسائل الإعلام الموثوقة عن مخاطبة الناس بلغة بسيطة ومؤثرة ومفهومة، ستملأ هذا الفراغ جهات أخرى تروي القصص بما يخدم مصالحها – حتى وإن لم تكن تلك القصص صادقة. من يتمكن أولًا من تغليف الحقائق في سردٍ مشوّق، يحصل على الانتباه. وفي العصر الرقمي، الانتباه هو العملة الأغلى ثمناً. من بين النماذج المعروفة التي يستخدمها المتخصصون في دراسة التضليل الإعلامي، يبرز ما يُعرف باسم نموذج “4D”، وهو اختصار لأربعة مصطلحات إنجليزية: “Dismiss” (التشكيك)، “Distort” (التحريف)، “Distract” (الإلهاء)، و”Dismay” (الترهيب). ورغم أن هذه الكلمات قد تبدو غريبة في لفظها، إلا أن ممارساتها مألوفة لنا جميعًا في الحياة اليومية. أولًا، “Dismiss” تعني التقليل من شأن الخصم أو نزع المصداقية عنه، ليس من خلال الرد على حججه، بل عبر نعته بصفات مثل “عميل أجنبي”، أو “خائن”، أو حتى “غير متزن عقليًا”. أما “Distort”، فهي التلاعب بالمعلومات، كعرض الأرقام دون سياقها الحقيقي، أو استخدام صور مجتزأة، أو المزج بين الحقائق وأنصاف الحقائق لتشكيل صورة مضللة. النمط الثالث، “Distract”، يقوم على خلق ضجة إعلامية مفاجئة – كفضيحة شخصية أو حادث مثير – للتغطية على حدث أكثر أهمية سياسيًا أو اقتصاديًا. وأخيرًا، “Dismay” يتمثل في إثارة الخوف لدى الجمهور، عبر رسائل توحي بأن التفاعل مع محتوى معين قد يؤدي إلى المساءلة القانونية أو الاجتماعية. هذه الأدوات الأربع، عند استخدامها معًا أو بشكل متكرر، لا تهدف إلى نقل الحقيقة، بل إلى توجيه المشاعر وصياغة واقع بديل يخدم مصالح من يملك أدوات السرد. نرى تطبيقات عملية لهذه الاستراتيجيات في الحياة اليومية في مصر. في السنوات الأخيرة، ازدادت السرديات التي تربط بين المشاكل الاقتصادية – مثل ارتفاع الأسعار – وبين وجود المهاجرين أو اللاجئين. هذا النوع من الخطاب لا يستند إلى تحليل علمي لأسباب التضخم أو هيكل السوق، بل إلى تبسيط مفرط يربط الأزمة بجملة واحدة: “الغلاء سببه أن لدينا ضيوفًا كثيرين”. مثل هذا الخطاب يُحوّل الانتباه بعيدًا عن الأسباب الحقيقية للاختلالات الاقتصادية، وينقل إحباط الناس إلى الفئات الأضعف في المجتمع، التي لا تملك لا صوتًا ولا حماية. مثال آخر يتمثل في ما يمكن تسميته “تمجيد الرموز الوطنية”. مقاطع فيديو قصيرة تُظهر أطفالًا يرددون النشيد الوطني أو يسيرون في زي رسمي تُقابل بتصريحات ناقدة لسياسات الإنفاق الحكومي. الرسالة الضمنية هنا تقول: من ينتقد ميزانية الدولة هو غير وطني، أو ناكر للجميل. هكذا يُوضع المتلقي أمام خيار زائف: إما أن تؤيد الوطن دون شروط، أو تُعتبر “ضده”. وهذه الثنائية المصطنعة تُغلق الباب أمام النقاش العام، وتُحوّل الحوار إلى اختبار ولاء بدلًا من مساءلة مسؤولة. التضليل لا يستثني حتى المجال الصحي. خلال جائحة كورونا، وكذلك في حالات الأمراض الموسمية، انتشرت محتويات تستند إلى ما يُزعم أنه “أبحاث سرية” أو “علماء من الخارج”، تؤكد – ظاهريًا – فعالية مذهلة لمكملات غذائية، أعشاب، أو تقنيات علاجية غير مثبتة. وغالبًا ما كان وراء هذه الرسائل مؤثرون محليون يعرضون في الوقت نفسه هذه المنتجات للبيع. وبهذا تحوّل الخوف وعدم اليقين إلى وسيلة للتربّح التجاري. لكن من يقف وراء هذه السرديات؟ في الواقع، الجهات متنوعة. أحيانًا تكون وسائل إعلام رسمية أو شبه رسمية، تستغل منصاتها الكبيرة لبث رواية معينة. وأحيانًا أخرى يكون المرسل مؤثرًا محليًا يصنع مقاطع قصيرة على تطبيقات مثل تيك توك أو Reels، تستهدف فئة الشباب. وهناك كذلك شبكات أوتوماتيكية تُعرف بـ”بوت نت”، وهي حسابات مزيفة تُستخدم بشكل جماعي لتسجيل الإعجابات والتعليقات والمشاركات، فتخلق انطباعًا زائفًا بأن هناك دعمًا شعبيًا واسعًا لمحتوى معين. وفي بعض الحالات، تكون هناك شركات علاقات عامة أجنبية تعمل خلف الكواليس، تُنفذ حملات مدفوعة تستهدف جمهورًا محددًا برسائل مصممة بعناية. الهدف ليس دائمًا سياسيًا، بل قد يكون اقتصاديًا أو تجاريًا، لكن النتيجة واحدة: توجيه الرأي العام نحو سلوك معين دون أن يعي المتلقي أنه يتعرّض للتأثير. كل هذه الأساليب تشترك في هدف واحد: إثارة رد فعل والتأثير على القرارات – وليس بالضرورة أن تكون قرارات سياسية. أحيانًا يتعلق الأمر باختيار منتج معين، وأحيانًا بالتصويت في الانتخابات، وأحيانًا – وهو الأخطر – بزرع الشك داخل المجتمع لدرجة تجعل الناس يفقدون ثقتهم في المؤسسات، في وسائل الإعلام، بل وفي بعضهم البعض. فعندما يسود الاعتقاد بأن “الجميع يكذب”، تظهر اللامبالاة، ويتراجع دور العقل. وفي هذه اللحظة، لا يعود القرار بيد من يمتلك المعرفة، بل بيد من يصرخ أعلى. فكيف نتحصن؟ البداية تكون بالوعي والتأمل. إذا واجهتنا رسالة إعلامية تثير فينا مشاعر قوية – مثل الغضب أو الخوف أو الإحساس بالظلم – فمن الأفضل أن نتريث قبل أن نشاركها. وإذا كانت الرسالة تفتقر إلى تاريخ نشر، أو مصدر موثوق، أو اسم واضح لكاتبها، فذلك مؤشر على ضرورة التشكيك في مصداقيتها. من المفيد أيضًا مقارنة التغطيات: كيف تعالج وسائل الإعلام الأجنبية أو المستقلة الموضوع نفسه؟ هل تظهر روايات مختلفة؟ هذه المقارنة تكشف كثيرًا مما قد يغيب عن المتلقي. يجب أن ننقل هذه المهارات إلى محيطنا – إلى العائلة والأصدقاء – ونعلّمهم، مثلًا، كيف يمكن التحقق من صحة عنوان خبر عبر كتابته في محرك البحث مع كلمة “خدعة” أو “hoax”، أو كيف نستخدم مواقع التحقق من المعلومات. الأمر لا يتعلق بمجرد مواجهة خبر كاذب بعينه، بل ببناء مناعة فكرية طويلة الأمد. لأن السؤال الحقيقي ليس “من المحق؟”، بل “من

لماذا تشوّه روسيا صورة بولندا في العالم العربي؟ تحليل لفيلم دعائي بعنوان “صراعٌ منذ ألف عام”

لماذا تشوّه روسيا صورة بولندا في العالم العربي؟ تحليل لفيلم دعائي بعنوان “صراعٌ منذ ألف عام” التاريخ كسلاح للتأثير لماذا تروي روسيا للعرب قصة “صراعٍ يمتد لألف عام” مع بولندا؟ ولماذا تُصوِّر بولندا على أنها عدو ومعتدٍ، رغم أنها لم تهاجم أوكرانيا، ولم تشعل الحرب في أوروبا؟ الفيلم الذي أنتجته قناة روسيا اليوم تحت عنوان “روسيا – بولندا: صراعٌ منذ ألف عام” ليس وثائقيًا عاديًا، بل هو أداة دعائية تهدف إلى إقناع المشاهد العربي بأن بولندا حليفة للغرب، وأنها منذ قرون تكره روسيا وثقافتها. لكن، هل هذه الرواية صحيحة فعلًا؟ هل كان الروس والبولنديون جيرانًا وأعداءً طوال ألف عام؟ وهل يمكن الوثوق برؤيةٍ للتاريخ لا تترك مجالًا للحوار أو التعايش أو تعقيد الأحداث؟ أم أننا أمام حملةٍ إعلامية جديدة، تعتمد على أسلوب قديم بقدر قِدم التاريخ نفسه: رواية قصة الآخر بطريقة تخدم رؤيتك أنت للعالم؟ هذا المقال يُظهِر كيف تستخدم روسيا التاريخ كسلاحٍ معلوماتي في الفضاء العربي، وما هي الأساليب التي تعتمدها، وما هي المشاعر التي تسعى لإثارتها — والأهم من ذلك: لماذا تستهدف المتلقّي العربي تحديدًا؟ فالبروباغندا لا تعترف بالحدود، لكن إدراك أين تبدأ المغالطة هو الخطوة الأولى لحماية وعينا. ١. رواية زائفة عن “صراعٍ منذ ألف عام” الفيلم ليس سردًا عن الماضي، بل هو رؤية للمستقبل كما تتمنّى روسيا أن يراه الآخرون. حتى العنوان وحده — “صراعٌ منذ ألف عام” — يحمل رسالة خفية: أن الحرب قدر محتوم، وأن العداء بين البولنديين والروس قديم قدم الزمن، وأن السلام ليس إلا استراحة بين جولاتٍ من الصراع. لكن ذلك غير صحيح. فروسيا بشكلها الحالي ليست موجودة منذ ألف عام. “كييف روس” — التي يصوّرها الفيلم على أنها مهد روسيا — لم تكن موسكو. قول ذلك يشبه تمامًا الادعاء بأن إيران اليوم هي نفسها بلاد ما بين النهرين. من منظورٍ تاريخي، هذا خطأ جوهري. فموسكو ككيان سياسي مستقل لم تظهر إلا في القرن الرابع عشر، أما العلاقات المنتظمة — سواء السلمية أو العدائية — بينها وبين بولندا، فقد بدأت في وقتٍ لاحق بعد ذلك. فلماذا إذًا يروي الفيلم الروسي قصةً لم تحدث كما يعرضها؟ لأن الهدف ليس سرد التاريخ، بل إثارة المشاعر. الهدف هو إقناع المشاهد بأن بولندا عدوٌّ أبدي — كانت كذلك وستبقى كذلك. أن الصراع معها ليس خيارًا سياسيًا، بل قدر لا مفرّ منه. يريدون للمشاهد أن يتوقف عن التفكير بإمكانية التغيير، وأن يقتنع بأن بولندا — بصفتها عضوًا في الناتو — لا تتحرّك بدافع الحكمة أو المصالح، بل بدافع الحقد والكراهية. بالنسبة للمشاهد العربي، فهذه لغة مألوفة. فالقادة الاستعماريون قالوا الشيء نفسه: أن الشرق والغرب عدوان تقليديان منذ الأزل. وأن الحروب الدينية بدأت مع الحملات الصليبية ولم تنتهِ. وأن البعض يسعى للحرية، بينما الآخرون يريدون الهيمنة والسيطرة. الخطاب هو نفسه — لكن الأبطال تغيّروا. ٢. كيف تعمل السردية الروسية؟ الدعاية الروسية في هذا الفيلم تعمل كأنها قصة خرافية محبوكة بإتقان. فيها أبطال طيبون وأشرار. فيها ضحية — وهي روسيا، ومعتدٍ — وهي بولندا. فيها أطفال يدافعون عن التماثيل، ومعلمون يكذبون، وجيران خونة، وتحالفات إجرامية. كل هذه العناصر تؤدي إلى رسالة واحدة: روسيا تقاتل من أجل البقاء، وبولندا ليست سوى أداة في يد الغرب. يستخدم الفيلم تقنيات تأثير معروفة جيدًا: التضليل التاريخي – خلط الحقائق بنصف الحقائق، مثل تصوير بولندا على أنها حليفة للنازيين، وتجاهل فترات التعاون السابقة. • اللعب على مشاعر الخوف والذنب – الإيحاء بأن بولندا تسعى لتدمير كل ما هو روسي، وأن الغرب يساعدها على ذلك. • توظيف الدين والثقافة لأهداف سياسية – الادعاء بأن بولندا تكره الأرثوذكسية، وأن روسيا هي المدافع عنها. • الضحايا والأطفال – استخدام الرموز الأخلاقية لإثارة التعاطف مع روسيا. وبهذه الطريقة، لا يحتاج الفيلم إلى إقناع المشاهد بالحقائق — فهو يقنعه بالعاطفة. ٣. لماذا توجّه روسيا هذا الخطاب إلى العرب؟ الإجابة بسيطة: لأن العالم العربي يحمل جراحًا عميقة من الاستعمار، والحروب الإعلامية، وهيمنة الغرب. روسيا تحاول أن تُقدّم نفسها كـمدافعٍ عن القيم التقليدية، والدين، والاستقلال، وفي المقابل، تصوّر بولندا على أنها خادمةٌ للغرب وخاضعة لنفوذه. في نظر المشاهد غير المُطّلع، قد تبدو بولندا دولة عدوانية، معادية لروسيا، وتعمل لخدمة مصالح أمريكا وحلف الناتو. هذا التصوّر يُشكّل خطرًا على علاقات بولندا مع الدول العربية، لكنه يُهدّد أيضًا وعي المجتمعات العربية، لأن من يُصدّق هذه الرواية، سيصبح — دون أن يدري — حليفًا غير مباشر للدعاية المضلِّلة. ٤. ماذا يعني ذلك للمشاهدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ إذا قبلنا هذه الرواية التاريخية، فسنبدأ بالتفكير بمنطق: “هم ضدّنا”. لكنّ الحقيقة أن العالم أكثر تعقيدًا من حكايةٍ ثنائية الألوان في فيلم دعائي. البولنديون ليسوا أعداءً للعرب. فبولندا كانت بلدًا متعدد الثقافات عبر قرون، ولديها تاريخ طويل من العلاقات مع الشرق الأوسط، واليوم هي موطنٌ لآلاف المسلمين الذين يدرسون ويعملون فيها بكرامة وحرية. ولكن إذا انتصرت الروايات الدعائية، فستُقيم جدارًا من الشك وعدم الثقة. وهذا بالضبط ما تريده الكرملين: أن تُفرّق، لا أن تُوحّد. ٥. كيف نحمي أنفسنا؟ توصيات للمُتلقي العربي ١. تحقّق من المصدر – إذا كان الفيلم من إنتاج وسيلة إعلام تابعة للدولة، تعامل معه بحذر ووعي. ٢. ابحث عن السياق – لا تحكم على التاريخ من خلال رواية واحدة فقط. اسأل نفسك: ما الذي تم تجاهله؟ ٣. انتبه لمشاعرك – إذا شعرت بالغضب أو الاشمئزاز أو الإهانة أثناء المشاهدة، فربما يحاول أحدهم التلاعب بمشاعرك. ٤. افهم الهدف – اسأل: لماذا يعرضون عليّ هذا الفيلم؟ ما الذي يريدونني أن أعتقده عن بولندا؟ عن الناتو؟ عن الحرب؟ ٥. لا تدعهم يختارون لك موقعك – الدعاية تريد منك أن تنحاز في الصراع، دون أن تعرف الخلفيات الحقيقية. لا تنجرف دون وعي. فالمعلومات المضلِّلة لا تعترف بالحدود، لكنّنا — كمُتلقيّن — نملك الحق في أن نعرف: من الذي يروي القصة؟ ولماذا؟ لأنّ الفهم هو الخطوة الأولى نحو الحرية. ———– A public task financed by the Ministry of Foreign Affairs of the Republic of Poland within the frame of “Public Diplomacy 2024-2025: The European Dimension and Countering Disinformation” contest The publication expresses only the views of the author and cannot be identified with the official position of the Ministry of Foreign Affairs of the Republic of Poland.  

رسائل كوتراشيف حول الشرق الأوسط تنهار تحت وطأة الأسئلة الملحة

خلال مقابلة مباشرة على قناة الشرقية العراقية، واجه السفير الروسي في العراق، إلبروس كوتراشيف، صعوبة في الرد على الأسئلة الصعبة، حيث كان يتجنب في كثير من الأحيان تقديم إجابات واضحة أو يلجأ إلى تصريحات بدت وكأنها تستخف بذكاء الجمهور. وبحكم اعتياده على معاملة إعلامية أكثر ودية، حاول كوتراشيف تقويض مكانة الصحفي حسام علي من خلال وصفه بـ "صديق روسيا"، في إشارة إلى أن ذلك قد يجعله تحت مراقبة أمريكية. غير أن الصحفي رفض هذا التلميح، مؤكداً التزامه بالحفاظ على نهج متوازن وحيادي مع جميع الضيوف. نفي التورط في دائرة الأسد المقربة بدأت المقابلة بأسئلة حول سوريا وزعيمها المعزول بشار الأسد. وعندما سُئل عن محاولة مزعومة لتسميم الأسد في موسكو، أجاب كوتراشيف بأنه "لا يعلم شيئًا عن ذلك"، وادعى أنه لو حدث ذلك بالفعل، لكان "من شبه المؤكد" على علم به. وعندما تم استجوابه حول ما إذا كانت السفارة الروسية في العراق قد ساعدت شقيق الأسد، ماهر الأسد، على مغادرة البلاد، رد كوتراشيف بسخرية قائلاً: "أليس لديه أصدقاء آخرون في العراق؟". ثم أضاف أن مثل هذه المساعدة كانت ستكون مستحيلة لأنها تتعارض مع البروتوكولات الدبلوماسية. كما صرح كوتراشيف بأن السفارة الروسية محمية من قبل القوات الأمنية العراقية وتخضع للمراقبة المستمرة من قبل الطائرات الأمريكية بدون طيار وأجهزة الاستخبارات البريطانية. في الوقت نفسه، زعم كوتراشيف أن روسيا لا تقوم بأي عمليات مراقبة في العراق لأنها تفتقر إلى القدرات التكنولوجية، مثل الطائرات بدون طيار، ولأن روسيا - بحسب قوله - "لا تصفي حساباتها مع دول أخرى" على الأراضي العراقية، على عكس الولايات المتحدة التي اتهمها بأنها "تجمع معلومات عن مختلف السياسيين". ومع ذلك، رفض كوتراشيف توضيح نوعية المعلومات التي يُزعم أنه يتم جمعها أو عن من يتم جمعها، مما أثار تساؤلات حول كيفية امتلاكه لمثل هذه المعرفة إذا كانت المخابرات الروسية - بحسب ادعائه - لا تنفذ أي أنشطة في العراق. وقد سلط هذا التبادل الضوء على التناقضات في تصريحات كوتراشيف، حيث واصل الصحفي الضغط عليه، مما أجبر السفير على التهرب من الإجابات أو التقليل من أهمية الموضوع. وفي نهاية المطاف، وعندما سُئل مرة أخرى عن ماهر الأسد، صرح كوتراشيف بأن السفارة لم يكن لها أي اتصال به، وأنه لا يعلم ما إذا كان ماهر موجودًا حاليًا في موسكو. بوصلة أخلاقية انتقائية: الأسد مقابل تسوركوف عندما سُئل عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع السلطات الجديدة في سوريا بشأن تسليم بشار الأسد، صرح كوتراشيف بأن روسيا "لا تشارك في صفقات غير أخلاقية". وقد جاءت هذه التصريحات على النقيض تمامًا من رده لاحقًا بشأن عدم تحرك روسيا في قضية إليزابيث تسوركوف، الصحفية الإسرائيلية التي تحمل الجنسية الروسية، والتي اختُطفت في مارس 2023 في العراق على يد جماعات مسلحة تُعرف بـ"المقاومة" — وهي ميليشيات شيعية مرتبطة بإيران، تحظى بدعم من روسيا، ويُقال إن كوتراشيف يحتفظ بعلاقات وثيقة معها. برر كوتراشيف عدم اتخاذ روسيا أي إجراء بالقول إن بلاده لم تتلقَ أي إخطار رسمي وخطي بشأن اختطافها. ويُفهم من هذا التصريح أن كوتراشيف يعتبر، على ما يبدو، أن تسليم ديكتاتور مسؤول عن قتل جماعي لشعبه هو أمر "غير أخلاقي"، بينما يعتبر أن التحرك لحماية مواطنة روسية مختطفة هو أمر "مستحيل" دون مستندات رسمية. وفي هذا السياق، يبدو أن ادعاء كوتراشيف السابق بأن روسيا تضع سمعتها الدولية على رأس أولوياتها هو ادعاء ساخر وغير صادق إلى حد بعيد. احتضان روسيا لـ "المقاومة" وإرثها الاستعماري أما بالنسبة لـ "المقاومة" نفسها (وهي كلمة تعني "المقاومة" بالعربية)، فقد زعم كوتراشيف أن روسيا لا تدعم "المقاومة" كمنظمة، بل تدعم فكرة "المقاومة" بشكل عام، والتي وصفها بأنها "في روحنا ودمنا". وأكد كذلك قائلاً: "منذ أيام الاتحاد السوفيتي، كنا ندعم المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار والإمبريالية. لقد لعبنا دورًا رئيسيًا في انهيار الاستعمار. ونحن الآن نواصل نفس الجهود ضد الاستعمار الجديد." ومع ذلك، فإن مثل هذه التصريحات تتناقض بشكل صارخ مع الواقع التاريخي. فلا تزال روسيا واحدة من آخر الإمبراطوريات الاستعمارية التي تحتفظ بهذه الهوية وتتبناها علنًا، كما يظهر بوضوح في وسائل الإعلام الحكومية الروسية والخطاب السياسي الرسمي. فطوال القرن التاسع عشر، ولاحقًا تحت حكم الاتحاد السوفيتي في القرن العشرين، وسعت روسيا حدودها من خلال غزو العديد من الشعوب والدول، واستعمارها من خلال توطين الروس الإثنيين فيها. كما أن الاتحاد السوفيتي احتل تقريبًا جميع دول أوروبا الوسطى لمدة تزيد عن 45 عامًا. إن ادعاء كوتراشيف بأن "روسيا لم تكن قوة استعمارية في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر"، وبأن "كلما دخلنا إلى بلد ما، فإننا نقيم علاقات متكافئة"، هو تصوير مشوه للواقع، ويُعد نموذجًا معتادًا من أساليب الدعاية التي يعتمدها. تبرير الهجمات على القواعد الأمريكية باعتبارها "مقاومة" تعكس ردود كوتراشيف المراوغة على الأسئلة المتعلقة بدعم "المقاومة" رغبة روسيا في الحفاظ على علاقاتها مع هذه الجماعات دون أن تعلن صراحة تأييدها للهجمات التي تشنها على القواعد الأمريكية في العراق — وهي القواعد التي تعمل بتفويض رسمي من الحكومة العراقية. وفي الوقت ذاته، رفض كوتراشيف أي مقارنة بين الوجود العسكري الأمريكي في العراق ووجود روسيا في سوريا، واصفًا الأول بأنه "احتلال". وقد كان هذا تلاعبًا متعمدًا بالوقائع، حيث أن القوات الأمريكية التي دخلت العراق في عام 2003 انسحبت في عام 2011، منهية بذلك رسميًا فترة الاحتلال. أما الوجود العسكري الأمريكي الحالي، فهو قائم بناءً على طلب الحكومة العراقية في عام 2014 لتقديم المساعدة الدولية في محاربة تنظيم داعش. تبرير الهجمات على المنشآت الأمريكية باعتبارها أعمال مقاومة مشروعة ورغم ذلك، سمحت هذه الرواية لكوتراشيف بتبرير هجمات "المقاومة" على المنشآت الأمريكية باعتبارها أعمال مقاومة مشروعة بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وادعى كذلك أن رد روسيا على الضربات الجوية الأمريكية ضد جماعات "المقاومة" هو أن "150 مليون روسي يصلون" من أجل مقاتليها. كما ألمح كوتراشيف إلى أن روسيا ستُبدي تضامنًا مماثلًا إذا تعرضت إيران لهجوم. وفي سياق التطورات في سوريا، سُئل كوتراشيف أيضًا عن سبب ظهور روسيا وكأنها تتخلى عن شركائها القدامى مثل بشار الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق. وقد رفض السفير الروسي هذا الاتهام بشدة، مدعيًا أن سقوط الأسد كان نتيجة "الديناميكيات الداخلية السورية". وأضاف قائلاً: "كانت روسيا آخر من نفذ ضربات جوية ضد قوات المعارضة في إدلب". ومع ذلك، وعندما سُئل عن نقل المعدات العسكرية الروسية الثقيلة من سوريا إلى ليبيا، صرح كوتراشيف بأن هذه المعدات كانت مطلوبة في ليبيا بسبب القتال المستمر هناك والحاجة إلى استهداف الإرهابيين. وقد تناقض هذا الرد بشكل مباشر مع زعمه السابق بأن روسيا قد أنهت بالفعل عملياتها العسكرية في سوريا. وأضاف كوتراشيف أن روسيا لم تعد لديها أي أهداف عسكرية في سوريا لأنه، بحسب قوله، لم يعد هناك حرب دائرة، وأن الجماعات التي كانت تستهدفها القوات الروسية أصبحت الآن جزءًا من الحكومة السورية. كما رفض فكرة أن هذا يمثل فشلًا لروسيا، مؤكدًا أن سوريا شهدت العديد من تغييرات الأنظمة في الماضي، وأن روسيا كانت دائمًا قادرة على بناء علاقات مع الحكومات المتعاقبة. وأضاف قائلاً: "علاقاتنا ليست فقط مع الأنظمة، بل أولًا وقبل كل شيء مع الشعوب، لذلك فإن سقوط أي نظام لا يغير موقفنا تجاه أي بلد". ومن اللافت أن كوتراشيف لم يوضح ما إذا كان يقصد بـ "الشعوب" أولئك الذين كانت روسيا قد قصفتهم لسنوات، ووصفتهم بالإرهابيين، قبل أن تعترف بهم لاحقًا كشركاء شرعيين بمجرد أن تولوا السلطة. المطالبة بالنصر على داعش مع تجنب المشاركة الحقيقية في هذا السياق، سُئل كوتراشيف أيضًا عن دور روسيا في مكافحة الوجود المستمر لداعش في سوريا. وقد أجاب بأنه، في الوقت الحالي، لم يطلب أحد رسميًا مساعدة روسيا. ومع ذلك، أصر على أن روسيا كانت تحارب داعش "بكل ما لديها من قوة" وادعى أن الفضل في هزيمة داعش في سوريا يعود إلى روسيا. في الواقع، ومع ذلك، تم هزيمة داعش إلى حد كبير على يد قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، وهو تحالف تهيمن عليه القوات الكردية وبدعم من الولايات المتحدة – وليس من قبل روسيا. وأكد كوتراشيف كذلك أنه، في العراق، كانت الحرب ضد داعش ستستمر لفترة أطول بكثير لولا تدخل روسيا. كما جادل بأن التصور السائد بأن الضربات الجوية الأمريكية وضربات التحالف كانت حاسمة في هزيمة داعش هو نتيجة لكون الناس "يستمعون إلى وسائل الإعلام الأمريكية بدلاً من وسائل الإعلام الروسية." وأضاف كوتراشيف أن روسيا ليست جزءًا من التحالف الدولي ضد داعش لأنها، بحسب قوله، "لم تُدْعَ للمشاركة." عند النظر إلى هذه التصريحات مجتمعة، بدا أنها تهدف إلى تصوير روسيا كجهة مهمشة تم استبعادها بشكل غير عادل من قبل المجتمع الدولي – مما يصورها كضحية للسياسة العالمية. كما تهرب السفير الروسي من الإجابة على السؤال المتعلق بالموقف الرسمي لروسيا من الزعيم السوري الجديد، أحمد الشّرة. ويبدو أن هذا التهرب يعكس محاولة روسيا لتحقيق توازن بين مصلحتين متعارضتين: فمن جهة، الحفاظ على علاقات بناءة مع القيادة السورية الجديدة، ومن جهة أخرى، الحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع "المقاومة"، التي تعتبر الشّرة إرهابيًا. يُعد هذا التوازن الدبلوماسي مثالًا آخر على السياسة الخارجية الروسية المتناقضة والانتهازية، والتي تكاد تلامس حد النفاق. كما تهرب كوتراشيف من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بصدام حسين، حيث أن روسيا كانت قد دعمته حتى النهاية، وتم تنفيذ حكم إعدامه على يد نفس الفصائل الشيعية التي تسعى روسيا اليوم إلى التعامل معها كشركاء لتوسيع نفوذها في العراق. في الوقت نفسه، لا تريد روسيا أن تنفّر الجمهور العربي الكبير – سواء في العراق أو خارجه – الذي لا يزال يرى في صدام بطلاً وشهيدًا. وفي النهاية، أجاب كوتراشيف بأن هناك جوانب إيجابية وسلبية في هذه القضية، لكنها حدثت منذ زمن بعيد ومن الأفضل تركها في الماضي. وأضاف أن المصالحة الوطنية أهم من السعي وراء العقاب. وقال: "أنا صديق للعراق"، وأضاف: "ولا أريد أن تسيء كلماتي إلى أصدقائي العراقيين. أنا أتجنب التعليق على بعض القضايا لأنها حساسة بالنسبة للعراقيين." ومن خلال ذلك، اعترف كوتراشيف فعليًا بأن روسيا تقدم رسائل متناقضة، يتم صياغتها بعناية لتناسب جماهير مختلفة. ومع ذلك، وعندما يُطلب منها تقديم موقف واضح، تختار روسيا التهرب من القضية. ويُعد هذا النوع من المناورات الدبلوماسية أقرب ما يكون إلى النفاق، مما يجعل من الضروري بشكل أكبر أن يتم التدقيق في مثل هذه الأساليب وكشفها بوضوح. الترجمة إلى العربية: التقليل من أهمية العلاقات الاستراتيجية مع إيران والصين نفى كوتراشيف أيضًا وجود تحالف بين روسيا وإيران والصين. وأكد أن مجموعة بريكس ليست تحالفًا عسكريًا أو سياسيًا، بل هي مجموعة من الدول التي تتشارك في المصالح الاقتصادية – وهو أمر صحيح من الناحية الواقعية. وادعى أيضًا أن روسيا لا تحتفظ بـ "مجال نفوذ" في الشرق الأوسط، واصفًا هذا المفهوم بأنه مفهوم إمبريالي يُفترض أنه غريب عن السياسة الروسية. ووصف كوتراشيف "الشراكة الاستراتيجية" التي تم توقيعها مع إيران في يناير 2025 بأنها رسالة قوية للمجتمع الدولي. ومع ذلك، وكما أشار الصحفي حسام علي، فإن الاتفاقية تنص فقط على أن روسيا لن تساعد الدول التي تهاجم إيران، بدلاً من تقديم أي التزام مباشر بالدفاع عن إيران في حال تعرضت لهجوم عسكري. عند سؤاله عن سبب عدم توقيع روسيا اتفاقية مماثلة مع العراق، صوّر كوتراشيف مرة أخرى روسيا على أنها ضحية للهيمنة الأمريكية، مدعيًا أن الولايات المتحدة قد قامت، على حد زعمه، بمنع مثل هذه الشراكة. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت روسيا تدعم "محور المقاومة" الموالي لإيران – الذي يضم حزب الله وحماس والحوثيين – تهرب كوتراشيف مرة أخرى من تقديم إجابة واضحة، مشيرًا إلى أن روسيا تدعم بشكل عام "فكرة المقاومة". وأضاف مع ذلك أن روسيا لا تدعم الهجمات على إسرائيل، مستشهدًا بوجود مليون إسرائيلي من أصل روسي كسبب لهذا الموقف. الترجمة إلى العربية: تلميع العدوان الروسي في أوكرانيا عكست تصريحات كوتراشيف حول أوكرانيا أنماطًا مألوفة من الخطاب الروسي. وردًا على اقتباس من الإيديولوجي الروسي ألكسندر دوغين، الذي استشهد به حسام علي، والذي يشير إلى أن "أوكرانيا هي طريق إلى اتفاق حول مناطق النفوذ"، رفض كوتراشيف الفكرة واصفًا إياها بأنها "مفهوم غربي وإمبريالي"، مدعيًا أن "هذا ليس أسلوب تفكيرنا". وصرح كوتراشيف أن روسيا تريد لأوكرانيا أن تبقى دولة موحدة ومحايدة تعمل كمنطقة عازلة بين الناتو وروسيا، وأن روسيا "لن تسمح بتقسيم أوكرانيا". وعندما سأله حسام علي عما إذا كان ضم روسيا للأراضي الأوكرانية يشكل تقسيمًا للبلاد، جادل كوتراشيف بأن ذلك لا يُعد تقسيمًا، لأن تلك الأراضي تُعتبر الآن جزءًا من روسيا بموجب الدستور الروسي. ثم واصل الصحفي تحديه، سائلاً عما إذا كان من الممكن، بنفس الطريقة، إعلان كييف جزءًا من روسيا، وهل يمكن أن تسعى روسيا للسيطرة عليها. أجاب كوتراشيف مدعيًا أن روسيا كانت لديها الفرصة لدخول كييف مرتين، في عام 2015 وعام 2022، لكنها "لم تكن تريد شن غزو"، لأنها، حسب زعمه، لا ترغب "في انهيار أوكرانيا كدولة مستقلة". واصل كوتراشيف حجته قائلاً إن مشكلة روسيا ليست ما إذا كان الرئيس زيلينسكي aligned مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو إسرائيل (والتي تم ذكرها على الأرجح لإثارة المشاعر المعادية لإسرائيل بين المشاهدين العراقيين، رغم أن إسرائيل لا تقدم دعمًا كبيرًا لأوكرانيا)، بل المشكلة، بحسب كوتراشيف، هي أن "زيلينسكي تم انتخابه في انتخابات ديمقراطية بعد أن وعد بالتطبيع مع روسيا، ثم أصبح لاحقًا عدوًا لها". تجسد هذه التصريحات السردية المتناقضة والمضللة التي تتبناها روسيا بشأن الحرب في أوكرانيا. فالادعاء بأن احتلال أجزاء من أوكرانيا لا ينتهك سلامتها الإقليمية – لمجرد أن روسيا أعلنت من جانب واحد أن تلك الأراضي أصبحت تابعة لها – يعكس منطقًا إمبرياليًا يتجاهل القانون الدولي وسيادة الدول الأخرى. علاوة على ذلك، فإن الإيحاء بأن روسيا لم تكن تنوي احتلال كييف يتناقض مع واقع غزو عام 2022، الذي تقدمت خلاله القوات الروسية نحو العاصمة الأوكرانية لكنها في النهاية تم صدها. وتقوض مثل هذه الادعاءات مصداقية السردية التي يروج لها السفير الروسي.

خلال مقابلة مباشرة على قناة الشرقية العراقية، واجه السفير الروسي في العراق، إلبروس كوتراشيف، صعوبة في الرد على الأسئلة الصعبة، حيث كان يتجنب في كثير من الأحيان تقديم إجابات واضحة أو يلجأ إلى تصريحات بدت وكأنها تستخف بذكاء الجمهور. وبحكم اعتياده على معاملة إعلامية أكثر ودية، حاول كوتراشيف تقويض مكانة الصحفي حسام علي من خلال وصفه بـ “صديق روسيا”، في إشارة إلى أن ذلك قد يجعله تحت مراقبة أمريكية. غير أن الصحفي رفض هذا التلميح، مؤكداً التزامه بالحفاظ على نهج متوازن وحيادي مع جميع الضيوف. نفي التورط في دائرة الأسد المقربة بدأت المقابلة بأسئلة حول سوريا وزعيمها المعزول بشار الأسد. وعندما سُئل عن محاولة مزعومة لتسميم الأسد في موسكو، أجاب كوتراشيف بأنه “لا يعلم شيئًا عن ذلك”، وادعى أنه لو حدث ذلك بالفعل، لكان “من شبه المؤكد” على علم به. وعندما تم استجوابه حول ما إذا كانت السفارة الروسية في العراق قد ساعدت شقيق الأسد، ماهر الأسد، على مغادرة البلاد، رد كوتراشيف بسخرية قائلاً: “أليس لديه أصدقاء آخرون في العراق؟”. ثم أضاف أن مثل هذه المساعدة كانت ستكون مستحيلة لأنها تتعارض مع البروتوكولات الدبلوماسية. كما صرح كوتراشيف بأن السفارة الروسية محمية من قبل القوات الأمنية العراقية وتخضع للمراقبة المستمرة من قبل الطائرات الأمريكية بدون طيار وأجهزة الاستخبارات البريطانية. في الوقت نفسه، زعم كوتراشيف أن روسيا لا تقوم بأي عمليات مراقبة في العراق لأنها تفتقر إلى القدرات التكنولوجية، مثل الطائرات بدون طيار، ولأن روسيا – بحسب قوله – “لا تصفي حساباتها مع دول أخرى” على الأراضي العراقية، على عكس الولايات المتحدة التي اتهمها بأنها “تجمع معلومات عن مختلف السياسيين”. ومع ذلك، رفض كوتراشيف توضيح نوعية المعلومات التي يُزعم أنه يتم جمعها أو عن من يتم جمعها، مما أثار تساؤلات حول كيفية امتلاكه لمثل هذه المعرفة إذا كانت المخابرات الروسية – بحسب ادعائه – لا تنفذ أي أنشطة في العراق. وقد سلط هذا التبادل الضوء على التناقضات في تصريحات كوتراشيف، حيث واصل الصحفي الضغط عليه، مما أجبر السفير على التهرب من الإجابات أو التقليل من أهمية الموضوع. وفي نهاية المطاف، وعندما سُئل مرة أخرى عن ماهر الأسد، صرح كوتراشيف بأن السفارة لم يكن لها أي اتصال به، وأنه لا يعلم ما إذا كان ماهر موجودًا حاليًا في موسكو. بوصلة أخلاقية انتقائية: الأسد مقابل تسوركوف عندما سُئل عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع السلطات الجديدة في سوريا بشأن تسليم بشار الأسد، صرح كوتراشيف بأن روسيا “لا تشارك في صفقات غير أخلاقية”. وقد جاءت هذه التصريحات على النقيض تمامًا من رده لاحقًا بشأن عدم تحرك روسيا في قضية إليزابيث تسوركوف، الصحفية الإسرائيلية التي تحمل الجنسية الروسية، والتي اختُطفت في مارس 2023 في العراق على يد جماعات مسلحة تُعرف بـ”المقاومة” — وهي ميليشيات شيعية مرتبطة بإيران، تحظى بدعم من روسيا، ويُقال إن كوتراشيف يحتفظ بعلاقات وثيقة معها. برر كوتراشيف عدم اتخاذ روسيا أي إجراء بالقول إن بلاده لم تتلقَ أي إخطار رسمي وخطي بشأن اختطافها. ويُفهم من هذا التصريح أن كوتراشيف يعتبر، على ما يبدو، أن تسليم ديكتاتور مسؤول عن قتل جماعي لشعبه هو أمر “غير أخلاقي”، بينما يعتبر أن التحرك لحماية مواطنة روسية مختطفة هو أمر “مستحيل” دون مستندات رسمية. وفي هذا السياق، يبدو أن ادعاء كوتراشيف السابق بأن روسيا تضع سمعتها الدولية على رأس أولوياتها هو ادعاء ساخر وغير صادق إلى حد بعيد. احتضان روسيا لـ “المقاومة” وإرثها الاستعماري أما بالنسبة لـ “المقاومة” نفسها (وهي كلمة تعني “المقاومة” بالعربية)، فقد زعم كوتراشيف أن روسيا لا تدعم “المقاومة” كمنظمة، بل تدعم فكرة “المقاومة” بشكل عام، والتي وصفها بأنها “في روحنا ودمنا”. وأكد كذلك قائلاً: “منذ أيام الاتحاد السوفيتي، كنا ندعم المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار والإمبريالية. لقد لعبنا دورًا رئيسيًا في انهيار الاستعمار. ونحن الآن نواصل نفس الجهود ضد الاستعمار الجديد.” ومع ذلك، فإن مثل هذه التصريحات تتناقض بشكل صارخ مع الواقع التاريخي. فلا تزال روسيا واحدة من آخر الإمبراطوريات الاستعمارية التي تحتفظ بهذه الهوية وتتبناها علنًا، كما يظهر بوضوح في وسائل الإعلام الحكومية الروسية والخطاب السياسي الرسمي. فطوال القرن التاسع عشر، ولاحقًا تحت حكم الاتحاد السوفيتي في القرن العشرين، وسعت روسيا حدودها من خلال غزو العديد من الشعوب والدول، واستعمارها من خلال توطين الروس الإثنيين فيها. كما أن الاتحاد السوفيتي احتل تقريبًا جميع دول أوروبا الوسطى لمدة تزيد عن 45 عامًا. إن ادعاء كوتراشيف بأن “روسيا لم تكن قوة استعمارية في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر”، وبأن “كلما دخلنا إلى بلد ما، فإننا نقيم علاقات متكافئة”، هو تصوير مشوه للواقع، ويُعد نموذجًا معتادًا من أساليب الدعاية التي يعتمدها. تبرير الهجمات على القواعد الأمريكية باعتبارها “مقاومة” تعكس ردود كوتراشيف المراوغة على الأسئلة المتعلقة بدعم “المقاومة” رغبة روسيا في الحفاظ على علاقاتها مع هذه الجماعات دون أن تعلن صراحة تأييدها للهجمات التي تشنها على القواعد الأمريكية في العراق — وهي القواعد التي تعمل بتفويض رسمي من الحكومة العراقية. وفي الوقت ذاته، رفض كوتراشيف أي مقارنة بين الوجود العسكري الأمريكي في العراق ووجود روسيا في سوريا، واصفًا الأول بأنه “احتلال”. وقد كان هذا تلاعبًا متعمدًا بالوقائع، حيث أن القوات الأمريكية التي دخلت العراق في عام 2003 انسحبت في عام 2011، منهية بذلك رسميًا فترة الاحتلال. أما الوجود العسكري الأمريكي الحالي، فهو قائم بناءً على طلب الحكومة العراقية في عام 2014 لتقديم المساعدة الدولية في محاربة تنظيم داعش. تبرير الهجمات على المنشآت الأمريكية باعتبارها أعمال مقاومة مشروعة ورغم ذلك، سمحت هذه الرواية لكوتراشيف بتبرير هجمات “المقاومة” على المنشآت الأمريكية باعتبارها أعمال مقاومة مشروعة بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وادعى كذلك أن رد روسيا على الضربات الجوية الأمريكية ضد جماعات “المقاومة” هو أن “150 مليون روسي يصلون” من أجل مقاتليها. كما ألمح كوتراشيف إلى أن روسيا ستُبدي تضامنًا مماثلًا إذا تعرضت إيران لهجوم. وفي سياق التطورات في سوريا، سُئل كوتراشيف أيضًا عن سبب ظهور روسيا وكأنها تتخلى عن شركائها القدامى مثل بشار الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق. وقد رفض السفير الروسي هذا الاتهام بشدة، مدعيًا أن سقوط الأسد كان نتيجة “الديناميكيات الداخلية السورية”. وأضاف قائلاً: “كانت روسيا آخر من نفذ ضربات جوية ضد قوات المعارضة في إدلب”. ومع ذلك، وعندما سُئل عن نقل المعدات العسكرية الروسية الثقيلة من سوريا إلى ليبيا، صرح كوتراشيف بأن هذه المعدات كانت مطلوبة في ليبيا بسبب القتال المستمر هناك والحاجة إلى استهداف الإرهابيين. وقد تناقض هذا الرد بشكل مباشر مع زعمه السابق بأن روسيا قد أنهت بالفعل عملياتها العسكرية في سوريا. وأضاف كوتراشيف أن روسيا لم تعد لديها أي أهداف عسكرية في سوريا لأنه، بحسب قوله، لم يعد هناك حرب

مصر كساحة للعمليات الإعلامية – تحليل استراتيجيات التأثير المعاصرة

مصر كساحة للعمليات الإعلامية – تحليل استراتيجيات التأثير المعاصرة

* * * * * * في عصر تتغير فيه ملامح الاتصال العالمي باستمرار، أصبحت البيئة الإعلامية المصرية مكانًا تكتسب فيه العمليات التأثيرية المتقدمة بُعدًا جديدًا. ومن بين الروايات والرسائل العديدة التي تشكل الرأي العام، تبرز الأعمال التي تنفذها روسيا والصين باعتبارها محل اهتمام خاص. هل يمكن للآليات المستخدمة من قبل هذه الدول أن تؤثر على إدراك الواقع في منطقة تُعد فيها المشاعر والتجارب التاريخية عنصرًا مهمًا في تشكيل المواقف الاجتماعية؟ تحليل العمليات الإعلامية العمليات التأثيرية الروسية زعزعة صورة الغرب وبولندا تصور الروايات الروسية بشكل منهجي حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كجهات اعتداء وزاعزعة للقوة وكرموز جديدة للإمبريالية. ويتم إيلاء اهتمام خاص لبولندا – التي تُعرض كعضو رئيسي في حلف الناتو ودولة تحد أوكرانيا – حيث تُنسب إليها دور المشاركة في الخطة المزعومة لتقسيم أوكرانيا. وتهدف هذه الرسائل إلى تقويض ثقة المجتمع المصري في الهياكل الغربية وإيجاد صورة للدول الغربية كأدوات عدوانية للإمبريالية. بناء صورة إيجابية لروسيا على النقيض من الصورة السلبية للغرب، تبني الدعاية الروسية صورة روسيا كشريك مستقر وودود. ومن أمثلة هذه الأعمال، على سبيل المثال لا الحصر، الترويج للتعاون مع مصر في إطار مجموعة البريكس، وتسليط الضوء على مشاريع البنية التحتية مثل محطة دباء النووية، وكذلك عرض مبادرات مثل جمع الهدايا للجنود، والتي تهدف إلى الإيحاء بدعم دولي واسع للعمليات العدوانية الروسية في أوكرانيا. الاستراتيجيات الإعلامية الصينية التركيز على الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية تتميّز الأنشطة الإعلامية الصينية في مصر بمستوى أقل من المواجهة مقارنة بتلك الروسية، ويركز اهتمامها الأساسي على القضايا الاقتصادية وتحديث البنية التحتية. وتشمل العناصر الرئيسية للرسالة، على سبيل المثال لا الحصر، الترويج المكثف للاستثمارات الصينية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCZone)، والدعم الخفي للروايات المعادية للغرب من خلال الإشارة إلى التهديد المزعوم الذي تشكله بنية حلف الناتو في بولندا، وإيجاد صورة للصين كشريك موثوق في التحول الطاقي والتكنولوجي لمصر. آليات العمليات النفسية وتقنيات الدعاية استخدام التلاعب العاطفي تستخدم كل من الاستراتيجيتين – الروسية والصينية – تقنيات إقناعية متقدمة تؤثر على مشاعر المتلقين. ومن بين الآليات الرئيسية: • الخوف وعدم الثقة: رسائل تخلق انطباعًا بالتهديد من التدخلات الغربية والتحالفات العسكرية. • الغضب والإحباط: روايات تتهم الغرب بالاستغلال الاقتصادي وفرض ظروف اقتصادية غير مواتية. • الهوية الثقافية: التأكيد على الفروق الثقافية التي تهدف إلى الإيحاء بفرض الغرب لقيم لا تتوافق مع تقاليد المنطقة. تحديد الأجندة وتأطير الرسائل كما تستخدم الدعاية تقنيات التركيز الانتقائي على الموضوعات: • تحديد الأجندة: تقوم وسائل الإعلام الموالية لروسيا، مثل سبوتنيك العربية وRT العربية، باختيار الموضوعات التي تهيمن على الرسالة ومنحها أولوية استراتيجية. • تأطير الرسائل: تُعرض الأحداث الدولية، مثل العمليات العسكرية أو التدخلات السياسية، بطريقة تفرض على الجمهور تفسيرًا محددًا – غالبًا مع التأكيد على الصورة الإيجابية لأعمال روسيا والصين والطابع السلبي للتدخلات الغربية. استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية في الفضاء الإعلامي المصري، يُلاحظ تواصل واضح بين وسائل الإعلام الحكومية والمنصات الرقمية الحديثة. إن هيمنة القنوات التي تخضع لسيطرة الدولة تتيح التوزيع الواسع للرسائل الدعائية. وعلاوة على ذلك، يتم استغلال نشاط وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُستهدف الجماهير الشابة من خلال الروايات المتكررة والصيغ الجذابة (مثل الميمات والفيديوهات). العمليات الموجهة نحو تشكيل تصور بولندا وحلف الناتو يُولى اهتمام خاص أيضًا للروايات الموجهة ضد بولندا وحلف الناتو. تشمل التقنيات المثلى على سبيل المثال لا الحصر، إنشاء اتهامات زائفة بشأن تقسيم أوكرانيا وتصوير بولندا كدولة مهيجة، واستغلال أحداث مثل إغلاق القنصلية العامة الروسية في بوزنان لبناء صورة لبولندا كأداة لطموحات الإمبريالية الغربية، وتعبئة المشاعر السلبية، مثل الخوف من زعزعة الاستقرار والغضب تجاه التدخل الخارجي، والتي تهدف إلى تقويض مصداقية المؤسسات الغربية. عند تحليل الفضاء الإعلامي المصري، يمكن القول إن العمليات الإعلامية التي تنفذها روسيا والصين معقدة للغاية وموجهة بدقة. إن الآليات المستخدمة في هذه الحملات – بدءًا من الاختيار الانتقائي للموضوعات، مرورًا بتكرار الرسالة، وصولاً إلى التلاعب العميق بالمشاعر – يمكن أن يكون لها تأثير كبير في تشكيل الرأي العام في مصر. وفي سياق الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحلية، قد تؤدي الأعمال الدعائية الموجهة ضد الدول الغربية إلى تغييرات دائمة في تصور التحالفات الدولية والعلاقات السياسية. المصدر والخلفية التحليلية يعتمد هذا التحليل على فصل من تقرير “دراسة البيئة الإعلامية المصرية“، الذي تم تطويره في إطار مشروع “ألباتروس II – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – مواجهة التضليل والتهديدات الإعلامية للقيم والمؤسسات الديمقراطية“، والذي يؤثر سلبًا على العلاقات الدولية ويؤثر سلبًا على صورة بولندا في لبنان والعراق ومصر. يشكل تقرير “دراسة تأثير التضليل والدعاية على مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا — تقرير، استراتيجيات الدفاع وتنفيذ التوصيات“ تحليلًا متعدد الجوانب للبيئة الإعلامية المصرية، حيث تُعرض بالتفصيل بنية وخصائص وسائل الإعلام، وعادات المجتمع الإعلامية، وآليات التأثير التي تستخدمها الجهات الخارجية. ندعوكم للاطلاع على النسخة الكاملة من التقرير، الذي يقدم معلومات قيمة وتوصيات للمحللين والخبراء العاملين في مجال أمن المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

فشل العملية التأثيرية الروسية؟ يعترف الشيعة بأن روسيا “كانت تلعب مع إسرائيل” من وراء ظهورهم

فشل العملية التأثيرية الروسية؟ يعترف الشيعة بأن روسيا "كانت تلعب مع إسرائيل" من وراء ظهورهم

* * * * * * منذ سقوط نظام الأسد في سوريا، شهد السفير الروسي في العراق، إلبروس كوتراتشيف، تراجعًا حادًا في نشاطه العام. تشير تحليلات وسائل الإعلام الشيعية الموالية لإيران في العراق، والتي كانت تروج لروسيا بنشاط في السابق، إلى خيبة أملها من موسكو، وهو ما قد يفسر قرارها بالتراجع المؤقت. في 8 يناير، بثت قناة “العهد” الشيعية، المرتبطة بجماعة عصائب أهل الحق وزعيمها قيس الخزعلي، تقريرًا اتهمت فيه روسيا بأنها “لعبت لصالح إسرائيل” في سوريا و“تخلّت عن الاستراتيجية الإيرانية” فيما يتعلق بمحاربة الجهاديين التابعين لهيئة تحرير الشام (HTS)، الذين استولوا على السلطة في سوريا. يستند هذا التقرير إلى مقابلة بثتها وكالة “تابناك” الإخبارية الإيرانية، تضمنت حوارًا بين قادة إيرانيين ومسؤولين في هيئة الأركان العامة، وكشفت أن جيش الأسد كان فاسدًا، ولم يكتفِ بتجنب القتال، بل قام تحت ضغط روسيا وغيرها بتخريب محاولات القوات الإيرانية في سوريا لشن عمليات عسكرية. كما أشار التقرير الذي نقلته قناة “العهد” إلى أن الجيش السوري لم يزوّد القوات الإيرانية المتمركزة في حلب بأي أسلحة، ما أدى إلى سقوط المدينة بسرعة في يد هيئة تحرير الشام ومقتل قائد القوات الإيرانية، الجنرال كيومارس بورهاشمي. يشير تقرير قناة “العهد” أيضًا إلى أن روسيا دعمت عمليات إسرائيل بعد الضربة الإيرانية على هذا البلد في أبريل 2024. وبحسب ما نقلته “العهد” عن وكالة “تابناك“، فإن “روسيا أوقفت تشغيل راداراتها خلال الهجوم الإسرائيلي على القادة الإيرانيين في سوريا، وهو دليل واضح على تعاونها مع إسرائيل“. كما نقل التقرير عن أحد قادة الحرس الثوري الإيراني قوله: “تخلّت روسيا عن الاستراتيجية البرية الإيرانية التي كانت تهدف إلى القضاء على الجماعات الإرهابية، ووعدت بتنفيذ غارات جوية. لكن تبين أن هذه الغارات استهدفت منازل سكنية ومناطق صحراوية بدلاً من الأهداف العسكرية لتنظيم تحرير الشام“. ظهرت بالفعل في منتصف ديسمبر تقارير تفيد بأن عناصر من نظام الأسد، بتوجيه من الروس، زوّدوا إسرائيل بمعلومات عن مواقع تمركز القوات الإيرانية في سوريا لتمكين استهدافها بالقصف الجوي. استندت هذه التقارير إلى وثائق مسربة من الاتصالات بين وزارة الدفاع السورية وضابط مخابرات إسرائيلي يحمل الاسم الرمزي “موسى“، والذي كان يشرف على هذه العمليات. لم يكن هذا الأمر مفاجئًا، حيث كان معروفًا منذ فترة طويلة أن روسيا تمنع الأسد من تشغيل الدفاعات الجوية السورية خلال الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا. ما أثار الدهشة، بدلاً من ذلك، هو أن إيران، رغم ذلك، زوّدت روسيا بطائرات مسيّرة استخدمتها في أوكرانيا، في حين أن وسائل الإعلام مثل “العهد” استمرت في الترويج لسرديات كوتراتشيف الغريبة حول أوروبا، الحروب العالمية، والحرب في أوكرانيا. قد يشكل تقرير قناة “العهد” بداية لتغيير في الخطاب الإعلامي للمصادر الشيعية الموالية لإيران بشأن الوضع في سوريا. حتى الآن، كانت السردية السائدة تقوم على نظرية مؤامرة تُحمّل مسؤولية الإطاحة بالأسد لتحالف يضم إسرائيل، الجهاديين، تركيا والغرب. إلى حد ما، كان هذا السرد يتماشى مع الرواية الروسية التي سعت إلى تصوير سقوط الأسد كجزء من “معركة روسيا الوحيدة” ضد “عدوان الغرب” على عدة جبهات، بما في ذلك أوكرانيا والشرق الأوسط. التقرير المذكور يكشف زيف هذه السردية ويفضح التناقضات فيها. يبقى السؤال مفتوحًا حول الاستراتيجية التي ستتبعها روسيا الآن لاستعادة نفوذها بين الشيعة العراقيين، وما إذا كانت ستنجح مرة أخرى في خداع هذه الأوساط عبر اللعب على مشاعر العداء للغرب. * * * إعداد: ويتولد ربيتوفيتش | shafafiyat.com * * *

فضح الرواية الروسية عن الاستعمار الجديد: تحليل لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقي

* * * * * * فضح الرواية الروسية عن الاستعمار الجديد: تحليل لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُروّج الدعاية الروسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة في المجالات الإعلامية والدبلوماسية، مثل موقع السفارة الروسية في القاهرة، لروايات تدّعي “النضال ضد الاستعمار الجديد” بهدف بناء صورة لروسيا كمدافع عن العدالة العالمية. غالبًا ما تركز هذه الخطابات على انتقاد القوى الغربية – الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا – وتحميلها مسؤولية الجرائم الاستعمارية التاريخية والمعاصرة. في هذه المقالة، نقارن بين الروايات الروسية والحقيقة التاريخية، مسلطين الضوء على نفاق موسكو ودورها الفعلي في الأنظمة الاستعمارية والإمبريالية، سواء في الماضي أو في الحاضر. روسيا ومؤتمر برلين – المسؤولية المخفية عن الاستعمار كانت روسيا مشاركًا نشطًا في مؤتمر برلين (1884-1885)، حيث اتفقت القوى الأوروبية على تقسيم إفريقيا. على الرغم من أن الدعاية الروسية غالبًا ما تحذف دورها في هذه الأحداث، فقد وقّعت موسكو وصدّقت على “المعاهدة العامة” للمؤتمر، التي حدّدت مبادئ استعمار إفريقيا، ومن بينها: مبدأ الاحتلال الفعّال: اشتراط السيطرة الفعلية على المستعمرات. حرية التجارة في نهر الكونغو وحوضه: ضمان الوصول التجاري المفتوح. حظر تجارة الرقيق: خطوة تبدو إنسانية لكنها كانت تبريرًا لاستغلال الموارد الإفريقية لتحقيق مكاسب استعمارية. يشير هذا إلى تورط روسيا في السياسات الاستعمارية الأوروبية، وهو جانب يتجاهله الخطاب الروسي المعاصر الذي يدعي معارضة الاستعمار الجديد. يجب التأكيد على أن الولايات المتحدة، التي حضرت المؤتمر كمراقب فقط، لم توقّع على هذه الاتفاقيات، على عكس روسيا التي قبلت النظام الاستعماري الأوروبي. روسيا والاتحاد السوفيتي كقوتين إمبرياليتين: التوسع والاستعمار عبر القرون مثلها مثل القوى الاستعمارية الأخرى، انتهجت روسيا منذ القرن الثامن عشر سياسة عدوانية للتوسع والاستعمار، ولا تزال آثارها ملموسة حتى اليوم. خلال حقبة الإمبراطورية الروسية ومن ثم الاتحاد السوفيتي، اتسمت تصرفات موسكو تجاه الشعوب التي خضعت لسيطرتها بالطابع الإمبريالي، مما أدى إلى: الاستغلال المنهجي للموارد. فرض عملية “الترويس“. القضاء على الثقافات المحلية. في الوقت الحاضر، لا تزال روسيا تعتبر هذه الأراضي جزءًا من “مجال نفوذها“، وهو ما يمثل استمرارًا لطموحاتها الاستعمارية الجديدة. أمثلة على السياسة الإمبريالية الروسية: آسيا الوسطى: استعمار الشعوب: استعمرت روسيا شعوبًا مثل كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان في إطار توسعها شرقًا. بدأ استعمار كازاخستان في منتصف القرن الثامن عشر، وأوزبكستان في منتصف القرن التاسع عشر (احتلال طشقند عام 1865)، بينما أُخضعت تركمانستان نهائيًا عام 1884. الترويس والاستغلال الاقتصادي: خضعت هذه المناطق لسياسة الترويس والاستغلال الاقتصادي، حيث تم تكييف اقتصاداتها لخدمة احتياجات الإمبراطورية الروسية. النفوذ المستمر حتى اليوم: لا تزال روسيا تحاول الحفاظ على نفوذها في آسيا الوسطى من خلال التبعية الاقتصادية والسياسية، مثل السيطرة على الموارد الطاقوية والتحالفات العسكرية، وهو ما يُعدّ مثالًا على الاستعمار الجديد في العصر الحديث. 2. القوقاز: الضم العسكري والتوسع: خلال القرن التاسع عشر، ضمت الإمبراطورية الروسية جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، مما أدى إلى بدء عملية استيعاب قسري وهيمنة عسكرية على هذا الإقليم. السياسات القمعية: شملت هذه السياسة قمع التقاليد والهوية المحلية وتهجير السكان بشكل جماعي، خصوصًا في المناطق ذات الأغلبية المسلمة مثل الشيشان وداغستان. الرؤية الاستراتيجية الحديثة: تنظر روسيا المعاصرة إلى القوقاز كمنطقة استراتيجية حيوية، وتتعامل معه من منظور استعماري جديد، يظهر ذلك من خلال قمع الحركات الاستقلالية المحلية مثل تلك الموجودة في الشيشان. 3. بولندا ودول البلطيق: الضم بعد التقسيم: بعد تقسيم بولندا في أواخر القرن الثامن عشر، استولت روسيا على الأراضي البولندية وأجزاء من ليتوانيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا اليمنى. كما ضمت أراضي لاتفيا وإستونيا إلى الإمبراطورية الروسية بعد الحرب الشمالية (1700-1721). سياسات الترويس في القرن التاسع عشر: شملت هذه السياسات فرض اللغة الروسية في المدارس والإدارات، قمع الديانات المحلية (مثل الكاثوليكية في بولندا)، وقمع محاولات استعادة الاستقلال. النفوذ الروسي المستمر: على الرغم من استعادة هذه الدول لاستقلالها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لا تزال روسيا تعتبرها جزءًا من “مجال نفوذها التاريخي“، ويتجلى ذلك من خلال محاولات التدخل السياسي والاقتصادي ونشر المعلومات المضللة. الاتحاد السوفيتي – إمبراطورية استعمارية تحت ستار الأممية على الرغم من أن الاتحاد السوفيتي رفع شعارات مناهضة للاستعمار، إلا أنه في الواقع انتهج سياسات إمبريالية تجاه الشعوب داخل مجال نفوذه: التهجير القسري: تم ترحيل ملايين الأشخاص من القوقاز، والتتار القرم، وغيرهم من الشعوب إلى سيبيريا أو آسيا الوسطى. الاستغلال الاقتصادي: استُخدمت المناطق الطرفية كمصادر للمواد الخام لصالح المركز (موسكو)، بينما ظلت هذه المناطق مهملة اقتصاديًا. الترويس: فُرضت اللغة الروسية وقُمعت الهويات الوطنية، وهو ما يشبه ممارسات الاستعمار الغربي في إفريقيا. هذه السياسات تكشف الطبيعة الحقيقية للاتحاد السوفيتي كقوة استعمارية تحت ستار خطاب دعائي يدعي الأممية والعدالة. النفاق المعاصر لروسيا تستغل الدعاية الروسية شعارات مناهضة للاستعمار لكسب التأييد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، متهمة الغرب بالاستعمار. ومع ذلك، تكشف الحقائق ما يلي: السياسة الاستعمارية الجديدة تجاه الجمهوريات والأقاليم التابعة لها: على مدى سنوات، تنتهج روسيا سياسة يمكن وصفها بـ“الاستعمار الداخلي الجديد“، حيث تستغل الموارد الطبيعية في الجمهوريات والمناطق ذات الإمكانيات الكبيرة ولكن المأهولة بشعوب ذات هويات ثقافية وإثنية مختلفة. تذهب أرباح هذا الاستغلال في الغالب إلى مركز السلطة في موسكو، بينما تظل المجتمعات المحلية فقيرة، مهمشة، ومجردة من الاستقلالية. من الضروري إلقاء نظرة أعمق على هذه السياسات الاستعمارية التي تتبعها روسيا حاليًا لفهم طبيعتها الحقيقية والتناقضات بين خطابها وأفعالها. المناطق الرئيسية والموارد الطبيعية: ياكوتيا (جمهورية ساخا) الموارد الطبيعية: ياكوتيا هي أكبر منتج للماس في روسيا، حيث تمثل حوالي 95% من الإنتاج الوطني و25% من الإنتاج العالمي. تتمتع المنطقة أيضًا بثروات هائلة من النفط والغاز الطبيعي والفحم والمعادن مثل الذهب واليورانيوم. الاستغلال الاستعماري الجديد: الأرباح: تذهب عائدات استخراج الموارد إلى الميزانية المركزية الروسية، بينما يعيش سكان ياكوتيا في ظروف صعبة للغاية. إهمال البنية التحتية: تتجاهل السياسات الروسية تطوير البنية التحتية المحلية وحماية البيئة، مما يؤدي إلى تدهور بيئي واسع النطاق في المنطقة. تقييد الحكم الذاتي: على الرغم من أن ياكوتيا تتمتع رسميًا بوضع جمهورية ذات حكم ذاتي، فإن استقلالها السياسي والاقتصادي محدود للغاية بسبب سيطرة موسكو. يجب على القادة المحليين الامتثال لقرارات الكرملين. تُظهر حالة ياكوتيا مدى هيمنة موسكو على المناطق الغنية بالموارد، حيث تستغل ثرواتها لصالح المركز بينما تترك سكانها يواجهون الفقر والتهميش. داغستان الموارد الطبيعية: تتمتع داغستان بثروات طبيعية كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى موارد أخرى مثل المعادن النفيسة. الاستغلال الاستعماري الجديد: الأرباح: يتم الاستيلاء على عائدات استخراج النفط والغاز من قبل شركات خاضعة لسيطرة الكرملين، بينما تظل داغستان واحدة من أفقر المناطق في روسيا. إهمال التنمية المحلية: يتم استغلال الموارد دون أي اهتمام بتطوير المجتمعات المحلية أو البنية التحتية. السياسات القمعية: تخضع داغستان لرقابة صارمة من قبل موسكو، التي تقمع الحركات الاستقلالية وأي محاولات لمعارضة السلطة المركزية. حالة داغستان تمثل

التضليل الروسي بشأن الوضع في سوريا.. محاولة لربط الجهاديين بأوكرانيا

* * * * * * منذ بعض الوقت، تحاول روسيا ربط أوكرانيا والغرب بالجهاديين في روايتها، من أجل اتهامهم بدعم الإرهاب. وفي القيام بذلك، تعتمد روسيا على الآلية الموصوفة في نظرية فلاديمير فولكوف للتضليل، مستغلة ضعف معرفة جزء كبير من الرأي العام الغربي بالشرق الأوسط وتقييمه السلبي المبرر تمامًا لدور روسيا. والفكرة هي استخدام الموقف النقدي تجاه روسيا لنشر رواية تهاجم روسيا ظاهريًا (“روسيا تخسر“)، لكنها في الواقع تدعم الرواية الروسية (“روسيا تدافع عن سوريا ضد الجهاديين الذين تدعمهم أوكرانيا والغرب” – الموضوع الرئيسي للرواية الروسية). والفئة المستهدفة من هذه الرسالة هي سكان الشرق الأوسط والأوروبيين. وفي القيام بذلك، تستخدم روسيا الصورة الساذجة والجاهلة للجهاديين، المنتشرة على نطاق واسع في الغرب، كمقاتلين مزعومين من أجل حرية سوريا، وأن نضالهم جزء من وقف الإمبريالية الروسية. في 29 نوفمبر 2024، نشر الحساب باللغة العربية @mog_Russ على بوابة X.com، وهو أحد الأدوات الرئيسية للتضليل الروسي على هذه البوابة، والموجه إلى السكان الناطقين بالعربية (498.5 ألف متابع)، “تحليلاً” للروابط المزعومة بين هجوم هيئة تحرير الشام وأوكرانيا. وقد ورد الموضوع الرئيسي هناك في أول 15 تغريدة على أنه “الولايات المتحدة وإسرائيل وأوكرانيا تقود الصراع الجديد في سوريا“. وتهدف إضافة إسرائيل إلى استغلال التصور السلبي لهذا البلد في العالم العربي الإسلامي، الناتج عن تصرفات إسرائيل في فلسطين ولبنان. تحاول الدعاية الروسية أن تنسب المسؤولية عن الخسائر المدنية في هذه الحرب إلى ما يسمى “الغرب الجماعي“. والهدف من هذه الإجراءات هو إثارة العداء بين مئات الملايين من المسلمين العرب تجاه أوروبا وإثارة أعمال شغب من خلال تفعيل هذا العداء في المجتمعات العربية الإسلامية التي تعيش في أوروبا. وهذا بالتالي عنصر كلاسيكي للحرب الهجينة. تعتمد رواية @mog_Russ على صور تم التلاعب بها، وتركيبها، وتفسيرات سخيفة لبعض الصور. على سبيل المثال، يُفترض أن الروابط بين الجهاديين وأوكرانيا تتجلى في حقيقة أن بعضهم يرتدون عصابات رأس صفراء، بينما يرتدي آخرون عصابات رأس زرقاء. يُفترض أن هذا دليل على مشاركة “مشغلي الطائرات بدون طيار الأوكرانيين” في الهجوم على حلب. تُظهر الصورة التالية مجموعة من الرجال، أحدهم يرتدي شارة داعش. ورغم أن هذه الصورة ربما تكون تركيبًا للصور ولا يُعرف مكان التقاطها، إلا أن الموضوع ينص على أن هؤلاء “ميليشيات شيشانية معادية لروسيا تقاتل في أوكرانيا“، وهو ما لا يوجد دليل عليه. ولكن هذا يؤدي إلى تلاعب آخر، أي ربط هذه الصورة بتسجيلات لأشخاص يحملون شارات داعش في حلب والقول إن الجهاديين في سوريا كانوا يرتدون خطوطًا صفراء وزرقاء (في الواقع، لا أحد في الصور يرتدي علامات صفراء وزرقاء، فقط أربطة متعددة الألوان، بما في ذلك الأصفر أو الأزرق، ولكن ليس الأصفر والأزرق) وعلامات داعش (هنا أيضًا، تكون الأصالة موضع شك لأن هيئة تحرير الشام نشأت من القاعدة ولم تستخدم أبدًا رموز داعش – يستخدم داعش علمًا أسودًا مكتوبًا عليه باللغة العربية “لا إله إلا الله” وكلمات “الله، النبي، محمد“، بينما يستخدم تنظيم القاعدة علمًا أبيضًا بخط الشهادة). هنا، هناك تلميح مباشر إلى أن هذا من المفترض أن يكون تنفيذًا لسياسة زيلينسكي “عدو عدوي صديقي“، وهو ما يُفترض أنه ينظر إلى داعش كصديق. وتعمق الصور اللاحقة هذا التلاعب بطريقة موحية للغاية، ولكن في الواقع لا تستند إلى أي سلسلة منطقية من الأدلة. الصورة التي التقطت لمجموعة من الجهاديين، والتي لم يعرف مكان التقاطها مرة أخرى، تشير إلى أن المتطرفين من جميع أنحاء العالم يقاتلون إلى جانب الجهاديين في سوريا (وهو صحيح جزئيًا)، ولكن من المفترض أن يؤدي هذا إلى استنتاج (لا يُعرف على أي أساس) أن الأمر نفسه صحيح في أوكرانيا. ويستكمل التلاعب بلقطة شاشة لمقال من صحيفة كييف إندبندنت الناطقة باللغة الإنجليزية، والتي تشير إلى مشاركة الأوكرانيين في معارك الطوارق ضد فاغنر في مالي، والتي لا علاقة لها بسوريا بالطبع، ولكن من المفترض أن تعطي مصداقية للأطروحات السابقة من خلال التأثير نفسياً على تصور المتلقي. ثم يعود الدعاة الروس إلى سوريا ويشيرون إلى مقطع فيديو من صحيفة كييف بوست يُظهر مشاركة الأوكرانيين في المعارك في سوريا، على الرغم من أنه في الواقع مونتاج لمشاهد من بعض الهجمات، والتي من غير الواضح تمامًا من وأين ومتى تم تصويرهم. المنشورات التالية مخصصة لتورط تركيا المزعوم في هجوم هيئة تحرير الشام على حلب، والذي يفترض أنه يعني تلقائيًا تورط الولايات المتحدة، وهو أمر سخيف تمامًا، لأن مصالح تركيا والولايات المتحدة في سوريا ليست متسقة وكانت موضوع نزاعات بين هذه الدول عدة مرات. وبعد ذلك يعود الدعاة الروس إلى أوكرانيا مرة أخرى، ويعرضون مقاطع فيديو لاستخدام الطائرات بدون طيار ويصرحون بأن “من الواضح أن مشغلي الطائرات بدون طيار تدربوا أو قاتلوا في أوكرانيا“. لا شيء من هذا القبيل يتبع من المنشورات السابقة، لكنهم خلقوا خلفية نفسية للمتلقي ليصدقها. المنشورات التالية تعزز هذا الانطباع من خلال تقديم المتمردين السوريين المزعومين بأعلام الثورة السورية وأوكرانيا، ولقطة شاشة لمقال من مجلة نيوزويك، يشير إلى مقال سابق في كييف بوست حول وجود الأوكرانيين في سوريا. من المفترض أن يعطي هذا الانطباع بأن هذه “المعلومات” قد تم تأكيدها من قبل مصادر مختلفة، بينما في الواقع ليس كذلك. الموضوع بأكمله يوحي بالكثير، لكنه يفتقر إلى أي دليل على مشاركة أوكرانيا في القتال في سوريا. وعلاوة على ذلك، وبصرف النظر عن الارتباط بين الولايات المتحدة وتركيا، لا يوجد دليل على تورط الولايات المتحدة، التي تعتبر في الواقع هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية وعرضت مكافأة للقبض على زعيمها. وعلاوة على ذلك، على الرغم من ظهور إسرائيل أيضًا في الإدخال الأول، إلا أنها لا تظهر في الإدخالات اللاحقة (ينسى المتلقي ذلك، لكن الارتباط بين إسرائيل والجهاديين والولايات المتحدة وأوكرانيا يظل في العقل الباطن). وكما ترون، يشير التلاعب الروسي أيضًا إلى مصادر أوكرانية (كييف إندبندنت، كييف بوست) ومصادر دولية (نيوزويك) لإضفاء مصداقية على روايتها. وقد تم استخدام آليات الأقواس وصناديق الرنين من نظرية فولكوف هنا. الأقواس هي معلومات حول التورط المزعوم لجهاز المخابرات العسكرية الأوكراني في القتال ضد روسيا على جبهات مختلفة في جميع أنحاء العالم، في حين أن صناديق الرنين هي وسائل الإعلام والأشخاص الذين ينشرون هذه المعلومات عادةً بحسن نية. يتم استخدام دافعين لـ “صناديق الرنين” هنا. من ناحية أخرى، تريد بعض وسائل الإعلام الأوكرانية استخدام هذه الطريقة للترويج لـ“دعاية النجاح” لأوكرانيا كدولة ذات إمكانات هائلة وقادرة على معارضة روسيا على جبهات مختلفة في جميع أنحاء العالم. ومن ناحية أخرى، ينتج هذا عن النهج الساذج المذكور أعلاه والذي يعتبر أن القتال ضد الأسد في سوريا هو جزء من القتال العالمي ضد روسيا، دون إدراك أن مثل هذه الرواية تسمح للدعاية الروسية بربط الغرب وأوكرانيا بالإرهاب الجهادي. وهذا يخدم في إضفاء المصداقية

التضليل الإعلامي في الفضاء الإعلامي اللبناني بعد وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل – أمثلة

* * * * * * التضليل الإعلامي في الفضاء الإعلامي اللبناني بعد وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل – أمثلة إن الصراع الدائر بين حزب الله وإسرائيل، وخاصة وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في 27 نوفمبر 2024، يرتبط بالعديد من المجهولات. فمن ناحية، كانت الرسائل الموجهة إلى اللبنانيين مليئة بالأمل والتشجيع على العودة إلى ديارهم، وخاصة بعد التوصل إلى اتفاق. ومن ناحية أخرى، وفي نفس الوقت تقريبًا، أفادت وسائل الإعلام عن هجمات وانتهاكات جديدة لوقف إطلاق النار من قبل الجانبين. أمثلة على أنشطة التضليل: 1. ظهرت صورة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر مروحية إسرائيلية يُزعم أنها أسقطت في منطقة الخيام في جنوب لبنان. ووفقًا للمنشورات، كان من المفترض أن تنقل المروحية العديد من الجنود الإسرائيليين القتلى والجرحى. شارك أحد مستخدمي الفيسبوك الصورة مع التعليق: “تم إسقاط مروحية إسرائيلية للتو في منطقة الخيام في جنوب لبنان، أثناء نقل العديد من جنود الجيش الصهيوني القتلى والجرحى“. المصدر: https://www.newsmobile.in/nm-fact-checker/fact-check-post-claiming-israeli-helicopter-shot-down-in-lebanon-is-misleading/ التحقق من صحة الخبر: خطأ. عندما نبحث عن الصورة باستخدام البحث العكسي عن الصور على جوجل، نصادف تقريرًا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل بتاريخ 20 مايو 2019 بعنوان: “مقاتلو حماس حاولوا إسقاط مروحية عسكرية إسرائيلية في أحدث جولة من القتال“. ووفقًا للتقرير، أطلقت المروحية الإسرائيلية قنابل ضوئية بعد أن حاولت خلية تابعة لحماس إسقاط مروحية عسكرية في قطاع غزة خلال اشتباكات عام 2019. في بعض الأحيان، يسمح شيء بسيط مثل استخدام أداة البحث عن الصور على جوجل بالتحقق السريع من صحة الخبر. رابط التقرير: https://www.timesofisrael.com/hamas-tried-to-down-an-idf-helicopter-during-fighting-this-month-report/ 2. تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي صورة يُزعم أنها تُظهر انفجارات في حيفا في 26 نوفمبر 2024، في أعقاب هجمات صاروخية شنها حزب الله. المصدر: https://misbar.com/en/factcheck/2024/11/28/this-image-does-not-show-explosions-in-haifa-caused-by-hezbollah-rocket-strikes اكتسبت الصورة شعبية بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي أن سلاح الجو اعترض صواريخ أطلقت من لبنان باتجاه الأراضي الإسرائيلية، في منطقة حيفا. وأعلن حزب الله مسؤوليته عن قصف مدينة نهاريا ومواقع عسكرية إسرائيلية، بالإضافة إلى معسكرين في مرتفعات الجولان المحتلة. تدقيق الحقائق: خطأ. نشرت وسائل إعلام صورة بتاريخ 8 أكتوبر 2023 تظهر انفجاراً في ريشون لتسيون جنوب تل أبيب، بعد سقوط صواريخ أطلقتها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة. رابط المقال: https://espanol.almayadeen.net/noticias/politica/1754038/resistencia-palestina-marca-con-fuego-a–tel-aviv * * * مهمة عامة ممولة من وزارة الخارجية لجمهورية بولندا في إطار مسابقة “الدبلوماسية العامة 2024-2025: البعد الأوروبي ومكافحة التضليل الإعلامي.” تعبر هذه المنشور فقط عن آراء المؤلف ولا يمكن أن تُعتبر تعبيراً عن الموقف الرسمي لوزارة الخارجية لجمهورية بولندا.

كوتراشيف يضلل العراقيين – حلقة جديدة من دعاية السفير الروسي في العراق

تضليل آخر للسفير الروسي في العراق – تحليل أكد السفير الروسي إلبروس كوترشيف لقناة العهد العراقية الشيعية أن بلاده لا تؤمن بنوايا الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية الروسية. وأشار كوترشيف في مقابلة لبرنامج “قبل الغد” إلى أن تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية تشير إلى أنه يريد التغيير، لكن “أميركا دولة لديها لوبي قوي يفرض إرادته على الرئيس“. وأضاف أن “الضغوط الداخلية أجبرت ترامب على اتخاذ خطوات عدائية ضد روسيا“، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “ترامب يريد وقف الحرب الروسية الأوكرانية“. وبرأيه فإن “جماعات الضغط الأميركية التي تبيع الأسلحة والغاز تستفيد من ضعف أوروبا الاقتصادي“. وقال أيضا إن “بعض الدوائر الأميركية تريد تدمير العلاقات الروسية الأوروبية” وأن “مفاتيح أوكرانيا في أيدي أميركا“. وأكد أن “الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن لتحدث لولا السياسة الأميركية السيئة“. وقد ظهرت رواية كاذبة مماثلة في لقاء كوتراشيف مع رئيس مجلس النواب العراقي الجديد محمود المشهداني، الذي صرح بأن “العراق يدعم الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية والحروب التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط“، داعياً “المجتمع الدولي إلى التدخل لإنهاء هذه الصراعات“. * * * ولأول مرة، لا يشارك “الدبلوماسيون” الروس بشكل نشط في عمليات التضليل التي تقوم بها روسيا على الساحة الدولية. ومن بين هؤلاء الأشخاص السفير الروسي في العراق، إلبروس كوتراشيف، الذي ينتهج بشكل منهجي سياسة إعلامية عدوانية، بما في ذلك الإجراءات التي تستهدف بشكل مباشر صورة بولندا. وينفذ كوتراشيف أجندة دعائية واسعة النطاق للكرملين، والتي تشكل جزءًا من بناء صورة زائفة للغرب – باعتباره عدوانيًا، ومسؤولًا عن اندلاع الحرب في أوكرانيا ويخطط لهجوم على روسيا. وعلاوة على ذلك، من أجل إضفاء الشرعية على الهجوم المسلح الذي تشنه روسيا على أوكرانيا، فإنه يزيف تاريخ الحرب العالمية الثانية * * * مهمة عامة ممولة من وزارة الخارجية لجمهورية بولندا في إطار مسابقة “الدبلوماسية العامة 2024-2025: البعد الأوروبي ومكافحة التضليل الإعلامي.” تعبر هذه المنشور فقط عن آراء المؤلف ولا يمكن أن تُعتبر تعبيراً عن الموقف الرسمي لوزارة الخارجية لجمهورية بولندا.